«الدالوة» تحولت من قرية صغيرة هادئة على ضفاف النخيل، إلى رمز وطني كبير وضعنا على خط التضامن الحقيقي، فالهبّة الشعبية التي وقفت وساندت لم تكن مدفوعة بأوامر رسمية أو توجيهات بل جاءت تلقائية تدين وترفض الإرهاب أياً كان مصدره، والرائع ليس فقط من خطب في الجمع من الطرفين السنّة والشيعة بالوقوف مع بعضهما في موقف غير مسبوق، فالجميع شركاء وطن وإذا كان المتطرفون السنّة أصبحوا رهينة عقل مسيّس ومدبر، فإن الوطن ليس بالمزاد العلني تعتقد تلك الأطراف أنها مخولة في إدارته، فالإخوة الشيعة مواطنون ليسوا طارئين على الوطن أو مستوردين، وبصرف النظر عن الخلافات المذهبية التي تجاوزت مئات السنين لم نرها تدير الحروب، ولأننا تباعدنا بأفكارنا وطروحاتنا فهناك من استغل المواقف لتفجير بلدنا من متطرفي الطرفين.. مشاهد الأيام الماضية في زيارات العزاء من المدن والقرى، وتظاهرة جمعت سنّة وشيعة، ورفعت صور الشهداء من رجال الأمن والمواطنين هي علامات مهمة لم تكن انفعالية، بل تذهب إلى ما هو أبعد في ترسيخ مبدأ المواطنة، والأهم الإدراك العام أن الإرهاب هو عدو لنا جميعاً، وأننا الهدف والضحية، ولذلك رَفضت الحادثة وتبعاتها، فلنشرعْ بدون مقدمات أو حساسيات أو أحكام مسبقة إلى إدارة حوار جاد بين السنّة والشيعة في المملكة ومن خلال علماء وفقهاء ورجال أعمال وسياسيين، وكل من له وظيفة تأثير على الرأي العام، لنفك عقدة التاريخ والماضي ونصل إلى عقد مشترك بعيداً عن التيارات الخارجية، وباعتبارنا المسؤولين عن وطننا وبنائه والعيش فيه.. أعرف أنه جرت حوارات ولقاءات على مختلف المستويات لكنها لم تحقق النتائج التي انتظرها المواطن من الجانبين، ونحن نعرف التعقيدات المذهبية والخلافات الفقهية، وأن تغييرهما لا يأتي بين يوم وليلة طالما لم تتواصل الجهود، وتغلق بعض الملفات الحساسة والشائكة، لكن دائماً البدايات صعبة، وقد مرت المسيحية بما هو أخطر وأعمق في خلافاتها مع المسلمين لكنهم استطاعوا إيجاد الحلول بعقد اجتماعي وسياسي وحقوقي ألغى التمايزات في وضع الدساتير والقوانين، وليس بالضرورة استنساخ تلك التجارب بسبب التباعد الزمني، وأيضاً طبيعة المجتمعات وتكوينها.. نعرف أن الطرفين لديهما علماء أفاضل سعوا لإيجاد طريق واحد يربط الجميع بحلول تاريخية، لاسيما وأن المملكة هي بلاد الحرمين، ولا نجد تلك الخلافات طاغية في الحج والعمرة والزيارة، والجميع يتوجه لقبلة واحدة ونبي واحد، وهذه من المفاهيم التي لا تحتاج إلى شرح أو تطويل، لكن أن نسعى لبناء عمل مسؤول وملزم، هو مهمة العلماء لأنهم الرموز الذين يملكون طريق التقارب، ولوضع جدول عام يطرح مشروع الحلول ليس من خلال زمن محدد، بل لجعل الحوار يمتد ويعطي الأولويات لفهم كل طرف للآخر في بناء الثقة أولاً، ثم طرح القناعات والبحث عن الجامع بين المذاهب والطوائف، وحتى لو امتد إلى مؤتمرات عالمية يدعى لها علماء المسلمين لوضع صيغة تصالح تدوم، ولا نظن أن النوايا الحسنة غير موجودة، ونحن نشهد حروب الطوائف ومن يغذونها في وقت لا تتحمل أطراف الخلاف ذات القاعدة الكبيرة قطع تلك الطرق وإحداث تغييرات تضع المسلمين على الدرب الواحد أمام تحديات تاريخية خطيرة تستهدفهم جميعاً.. لمراسلة الكاتب: yalkowaileet@alriyadh.net
مشاركة :