أوقات اﻹجازات ينصرف فيها الجميع ﻹشباع أرواحهم بمبهجات الحياة وملذاتها. فنمهم من يخلد إلى نوم متواصل لا يزعزعه منبه العمل ولا جدول المواعيد اليومية الرتيبة، وهناك من يحزم حقائب السفر مغادرا محيطه إلى آخر مهيأ لراحة واستجمام ولو كان قصيرا.. والكثير من الشباب يمضي نهاره خلف هواياته وفي تحصيل أكبر ساعات من اللهو والعبث في أوقات اﻹجازات، سوى ذلك الشاب ذي السبعة عشر عاما، فضل أن يقضي إجازته مناضلا من أجل البقاء. قرر العمل في بيع اﻷكلات الشعبية أمام أحد مراكز التسوق، من أجل تحسين وضعه المادي، وكفاية نفسه وأسرته وطأة الظروف وذل سؤال الناس. يقف واثقا مبتسما مقبلا على الحياة، أسلوبه في الحديث أنيق كما مظهره، لا يتذمر من الأسئلة المتكررة عن أنواع اﻷطعمة التي يبيعها، ولا يخجل من تقبل أي ملاحظة حول الجودة أو السعر، كأنما الحياة هيأته للعمل بهذه الميزات الفارقة. ليس غريبا أن نجد هذا النموذج المشرف للشاب السعودي المقبل على الحياة رغم إغلاقها منافذ الأمل في وجهه، لكن الغريب أن نراه ولا نقف عنده تشجيعا وافتخارا واعتزازا به وبعمله المشرف.. غريب أﻻ يتقبله المجتمع، وينظر إليه نظرة إجلال وتقدير واعتزاز، ولا يحاول أن يشجعه وهو يعتمد على نفسه ويطوع الحياة لتأتي له كما يريد وليس كما تريد؟ غريب أن نمر ولا نقف ونصنع له مع الدهشة من عمله الجليل عبارات تحرضه على السمو والرقي والفخر بنفسه! مثل هذا الشاب هو فخر للوطن ولنفسه ولأهله، كيف لا وهو من اتخذ من العمل الحر البسيط كيانا مستقلا يقيه الشح والفاقة، ويبعده عن دهاليز الحرام وآفاق التفكير في الخلاص من الحاجة؟ في هذا المجتمع نظرة لمثل هذا العمل تجعل الشخص يفكر مرارا قبل البدء فيه.. ما يقوم به هذا الفتى يعتبر تخطيا لثقافة العيب، وترويضا للمجتمع ليتقبل أي مهنة يمتهنها الشاب، وتساعده على تخطي الصعاب وتكوين مستقبله. نحن نحتاج فقط تقبل هذه المهن البسيطة والاعتراف بها، وتقدير أصحابها، وهذه من مهام المربين في المؤسسات التعليمية.. لا بد من تهيئة النشء لتقبل أي ظرف، والقبول بأي عمل مهما كان بسيطا، حتى تنشأ لدينا ثقافة جديدة تخرجنا من ضيق النظرة إلى شمولية الاستيعاب والتقبل والرضا والقناعة، وتوسع دائرة المهن المرغوبة لا يقتصر على النظر إلى الكرسي المريح والمكتب الفخم الوثير..
مشاركة :