منذ فترة قصيرة قمت نيابة عن إحدى بناتي بالتواصل مع جهات إدارية لإصدار سجل تجاري ورخصة فتح محل تجاري ووفقا للنظام راجعت الإدارة العامة لشرطة محافظة جدة ثم وزارة التجارة ومن ثم البلدية ومكتب العمل والغرفة التجارية. راجعت تلك الدوائر وجميعها لم تطلب مني إحضار الإرث الذي ورثناه من زمن العصر الحجري وهو «الملف العلاقي» باستثناء البلدية. من بين بيان متطلبات البلدية كان هذا الإرث «الملف العلاقي». في الوقت الذي أسقطت كثير من الدوائر الهامة كالجوازات والأحوال المدنية والمرور هذا الإرث وأصبح المواطن يستطيع وهو في بيته أن يصدر تجديد إقامة أو تصريح سفر أو تجديد جواز سفر دون الحاجة إلى حمل «الملف العلاقي» التي عملت بالأمر السماوي ففكرت وتبصرت وطورت أعمالها وتقربت من الواقع المفيد ولكن بلادة الملف العلاقي لا تزال إرثا لدى البلدية. زود الله الإنسان بأدوات الحس والإدراك والتفكير أو التفكر. وقد ورد لفظ (فانظر) في القرآن الكريم 13 مرة، وبصيغة الجمع (فانظروا) خمس مرات، ولفظ (يتفكرون) عشر مرات. لذا أطالب أمانة محافظة جدة أن تبدأ بالعمل بما زودنا الله بها من أدوات الحس وأن تنظر وفق ما أمرنا الله (فانظروا) في ما تم من قبل تلك الدوائر وتعمل الأمانة بما نستفيد وتترك هذا الإرث وهو «الملف العلاقي». ليس هناك مواطن سعودي ولا مقيم إلا وارتبط مسار حياته بالملف العلاقي الأخضر؛ فطوال قرن كان الملف العلاقي أساسا في حياة الإنسان في المملكة، واليوم شارف «الملف العلاقي» على الانقراض، وتلاشى بعد اعتماد جهات عدة للتعاملات الإلكترونية، وأرشفة أسهمت في تضييق الخناق على الملف الأخضر. هناك برامج كثيرة ولعل منها برنامج «يسر»، الذي يقصد به الاستخدام التكاملي الفعال لتقنية المعلومات والاتصالات؛ بهدف تسهيل التعاملات داخل الجهات الحكومية أو ربطها بالأفراد أو قطاع الأعمال، ويعد هذا البرنامج من المشاريع التطويرية التي تبنتها الدولة؛ بهدف رفع إنتاجية وكفاءة القطاع العام وتقديم الخدمات الحكومية بشكل أفضل مع توفير المعلومات بالوقت والدقة المناسبة. نجد الآن التعاملات الإلكترونية في موقع وزارة الداخلية والعمل، وكذلك القبول في الجامعات، وتسجيل المواليد، والتصاريح الرسمية، ولعل نظام «أبشر» الإلكتروني قد ساهم في حل كثير من التعاملات، وقضى على حمل الملف العلاقي. نحن بحاجة إلى تسهيل الإجراءات، وإلى تقليل المستندات والتصديقات وإلى فك الاختناقات بتوفير عدد أكبر من المراقبين ليلبوا حاجة الناس وباختصار نحن بحاجة إلى شجاعة من كل مسؤول في الإدارات الحكومية بإعادة النظر في مكننة الإدارات التي تحت إشرافه بما يكفل إنهاء حاجات الناس دون الحاجة للواسطة. أما الموظف المسكين الذي يواجه الناس فليس ذنبه إن دقق في كل ورقة تقدم له أو طلب تصديق مستند لأن هذا الموظف شخص مأمور والعلة ليست فيه بقدر ما هي علة المسؤول الذي لا يسأل لماذا تختنق إداراته ولماذا يتقرب منه الناس لإنهاء حاجاتهم. إنه علاج بسيط لمرض خطير، فهل فكرت بلديتنا قليلا ومنعت دخول أي ملف علاقي ولو بحجة أنه من مروجي أدوية ارتفاع الضغط والسكر. ومع ذلك التقدم التقني، أصبح عصر الملف العلاقي متجها إلى الزوال بعد أكثر من قرن. فإلى متى ستظل أمانة جدة متعلقة بالملف العلاقي الذي ورثناه من عصرنا الحجري متعلقة فيه وباقي الدوائر قد قطعت العلاقة وطلقت الملف العلاقي. وهذا الطلاق ليس من أبغض الحلال فهل ستستمر بلديتنا ببلدية الملف العلاقي.
مشاركة :