مر على حادثة الأحساء أسبوع طويل شهد العديد من المواساة لأهالي المصابين، من مختلف الشخصيات والأسر الإحسائية، وكأن الجميع حرص على تأكيد الصلات التاريخية لأهالي المنطقة بصرف النظر عن اختلافهم المذهبي والفكري، لكن السؤال الكبير سيبقى حول أسباب الجريمة التي حدثت. قبل التوقف لتحليل هذا الحدث الغريب على المنطقة، تمنيت أن أشارك – لولا تواجدي خارج المملكة- في مواساة أهالي المصابين وضحايا هذا الاعتداء، لأنه واجب على كل من يعيش في هذه المنطقة تجاه الأرض والجار، ومن جانب آخر لأعيش لحظات التقارب والتعايش المشترك الذي كان ولا يزال أحد ملامح الأحساء. هذا الملمح ليس من السهل أن يفهمه كثيرون من المناطق أو الدول المجاورة، وهذا التعايش في الأحساء ليس فقط بين كل اهل الاحساء بل وبين كل المذاهب الفكرية الأخرى والتي لا تجد في الأحساء ذات الصراع أو التصعيد التي غالباً ما يكون أينما وجد الاختلاف. لكن السؤال لا يزال محيراً ما الذي يدفع شبانا من منطقة أخرى إلى القدوم للأحساء لتنفيذ اعتداء من هذا النوع وفي يوم فضيل وإن اختلف السبب؟ وما الذي دفع أهالي الأحساء وكثيرا من العقلاء من شتى أنحاء المملكة إلى إدانة الحدث دون مزايدة أو تردد؟ لنتحدث بصراحة فمثل هذه الأحداث لا يمكن التعامل معها بسطحية أو تجاهل الواقع الذي يشير بوضوح إلى أن الصراعات التي تحدث في الدول المجاورة للمملكة تزيد من فتيل الاحتقان الداخلي، حتى إن الحديث عن هذا النظام أو تلك الدولة أو المجموعة لم يعد بالإمكان النظر إليه بتجرد. هذه الأحداث الخارجية شئنا أم أبينا لا يتم النظر إليها بمنظور واحد، أو تفسير واحد بين أتباع الطائفة الواحدة فضلاً عن الطوائف المختلفة، هذا الأمر لا يعني بشكل أو بآخر أن صاحب هذا الرأي أو ذاك يمكن تجريده من وطنيته أو الاعتداء عليه، فهذا الواقع لا يمكن أن يتغير إلا بمزيد من التعايش والعقلانية. ألوم من حمل السلاح على أي مواطن كان ولا يمكن تبرير فعله، لكني أفهم مدى صعوبة استيعاب طبيعة العلاقة التي جمعت أهالي الأحساء مئات السنين، وليس غريباً حين ذاك أن يأتمن الأجداد أبناء الطائفة الأخرى ليعلموا أبناءهم القرآن الذي هو أعظم مصدر تشريعي على الإطلاق. عدم الارتياح بسبب الاختلاف في وجهات النظر في مثل حالة الصراع التي تعيشها المنطقة حدث ومن الصعب الجزم بعدم حدوثه في المستقبل، خاصة وأن بعض الجهات الخارجية قد تسهم في ذلك بشكل أو بآخر إما لتصدير حالة الاحتقان الداخلي أو لدوافع أخرى تسير سياساتها. بالرغم من كل ذلك ظلت العلاقات التي تجمع اهل الأحساء أكبر من مثل هذه التحديات، وظلت علاقات الود والأرض والوطن تجمع الأشقاء، لأنهم ببساطة يعرفون أن الأحداث والصراعات متغيرة لكن الوطن ثابت، وأن التفريط في هذا التآخي وهذه اللحمة لن يجر إلا الويلات. التفريق بين النظر والتحليل العام للأحداث والصراعات في الدول المجاورة، وبين الشراكة في الوطن والمسؤولية المشتركة عن أمنه والتعايش ودوام الألفة بين الجيران، مفهوم ليس من السهولة فهمه خاصة من قبل من لم يعيشيوا في هذه المنطقة، لكنه أحد أهم المفاهيم المتفق عليها في الأحساء. اليوم نحن أمام مشهد من المؤازرة للمصابين وأهالي الضحايا يقوده المجتمع الأحسائي بشتى مذاهبه وأفكاره وبحس عال للمسؤولية الاجتماعية ولتحدي الظروف مرة أخرى، وكما نجح فيها مرات عديدة منذ انهيار حكم الشاة مروراً بالحرب العراقية الإيرانية، وما تلا ذلك من أحداث، وهي مناسبة أيضاً لتقديم درس جديد لكل المتعصبين في العالم نعم نختلف في كل شيء لكننا نتفق على الوطن. عضو مجلس إدارة آفاق الإعلامية – كاتب ومستشار إعلامي
مشاركة :