جاسر الجاسر تعرضت هيئة مكافحة الفساد إلى حملات سخرية بسبب إدراجها الثرثرة ضمن أشكال الفساد، على رغم أن الرسالة التي أرادت «نزاهة» إيصالها كثيرة الإشارات، عميقة المعاني، لكن الغشاوة أعمت الأعين، ونزعة الانتقاد حجبت المغزى، فكان لا بد من المنافحة عن «نزاهة» ورفع رايتها وتبيان سياستها، وفق ما استخلصته من دلالات بعد جهد وتأمل في بياناتها، والتمعن في نشاطاتها، أوردها في النقاط التالية: تعارض «نزاهة» توظيف النساء في شكل خفي، لأنه إذا كانت الثرثرة فساداً فلا يمكن للنساء الانقطاع عنها، ما يوجب عدم توظيفهن لتقليص أبواب الفساد ومحاصرته. الثرثرة صفة نسائية مدارها النميمة والكشف عن المستور، وتكمن خطورتها في أن النساء أصبحن أكثر هيمنة على المجتمع، وفرضن عاداتهن على الرجال، ولعل التأكيد الأبرز هو زيادة عدد الزوجات اللاتي يضربن رجالهن، ما ينذر بخطر تقلبات اجتماعية حادة تستدعي إصلاحاً عاجلاً لا يتحقق من دون إخراس الموظفين. ثرثرة الرجل في العمل دلالة على أنه مخنوق الصوت في المنزل وفاقد السيطرة عليه، وهو- تالياً شخص ضعيف، وغير حازم وخطر على بيئة العمل. الثرثرة لا تشمل الرسائل الهاتفية والوسائط الاجتماعية، لأنها تنمي مهارات الكتابة وتطور الأسلوب، فهي لا تتضمن إخراج الصوت، ولم يسبق تصنيفها على أنها ثرثرة صامتة. ثبت أن الثرثرة هي أس الفساد، فحين يحادث الموظفون بعضهم بعضاً تزداد الألفة بينهم، فتتسع ثرثرتهم لتدخل فيها الواسطة وتمرير الخدمات الخاصة وإفشاء الأسرار، ما يشكل بيئة حاضنة للفساد ومجالاً لانتشاره وشيوعه. من أخطار الثرثرة تشجيع التطرف الاجتماعي والرياضي، وزيادة الاحتقان وكثرة الخصومات بين الزملاء، وارتفاع نسبة الوشاية. الثرثرة ممارسة دخيلة، فكل رصيدنا يراهن على الصمت وفوائده وغلاء قيمته، حتى إن كان سعر الذهب في انخفاض. توجه «نزاهة» رسالة تحذير إلى المسؤولين «الحكائين»، الذين يطيلون عمر الاجتماعات بثرثرة غير مفيدة، ما يتطلب بناء ملفات أمنية لكل شخص قبل تعيينه في منصب قيادي، للتأكد من خمول لسانه. تتضمن الرسالة تأكيد القضاء الكامل على الفساد في العقود والمشاريع، والتعسف في استخدام السلطة، وكل العوامل التي أنشئت لأجلها، فلم يبق سوى عمليات التشطيب الأخيرة قبل إعلان المجتمع المثالي. تظهر الرسالة حجم الجهد الدقيق الذي تبذله «نزاهة»، وأنها محيطة بكل التفاصيل، ومتعمقة في أحوال الموظفين، فلا تترك شيئاً للصدف. المعترضون على انشغال «نزاهة» بالتفاصيل وملاحقة الصغار دون الكبار، ينسون أن الاجتثاث يبدأ من القاعدة وصولاً إلى القمة، فالمشكلة في الفساد الخفي، أما الفساد الواضح فلا يستحق الاهتمام. يمكن القول إن «نزاهة» سيدة الصمت، فهي لا تتحدث إلا عن الإعلانات والبيانات، كما أنها متكتمة، فلا نتائج ظاهرة لعملها يعرفها المواطن، ربما لأنه مشغول بالثرثرة، ولو أصاخ السمع لأدرك فضائل الصمت، واقتدى بـ «نزاهة» حتى إن كان الصمت لا يثمر عملاً.
مشاركة :