زادت حالة القتل الجماعي لرجال العشائر السنية التي تقاتل تنظيم داعش من الحاجة الشديدة لجهود الحكومة العراقية لدعم جيوب المقاومة ضد المتشددين. لكن انعدام الثقة ونقص التمويل والفساد تهدد بإبطاء عملية التسليح، على حد وصف رجال العشائر والمسؤولين. وفي سلسلة من الاجتماعات عقدت خلال الأسابيع الأخيرة، طلب زعماء العشائر السنية من رئيس الوزراء حيدر العبادي التعامل مع مشاكل الأسلحة المفقودة ونقص الدعم في الوقت الذي يجابهون فيه المسلحين المتطرفين في مواجهة الاعتقالات والإعدام الجماعي. وتعرض المئات من رجال العشائر للإعدام من دون محاكمة في محافظة الأنبار الغربية خلال الشهر الماضي، مع مئات آخرين لقوا نفس المصير في شمال بغداد. وجاءت عمليات الإعدام لتؤكد على مأزق العشائر السنية التي قاومت المتطرفين من تنظيم داعش، مع القليل من المساعدات المقدمة من قبل الحكومة المركزية. وهم يهددون بتقويض الاستراتيجية الحكومية من حيث حشد العشائر السنية ضد تنظيم داعش في مناطقهم - مما يعد ركنا رئيسيا في جهود سحق المتشددين. ويقول الشيخ نعيم الكعود، وهو من زعماء عشيرة البونمر: «نطالب أن تفعل الحكومة شيئا. نشعر أنه تم التخلي عنا وتجاهلنا». وقد صمدت عشيرة البونمر لمدة 10 شهور في وجه المتشددين قبل الرضوخ لهم في محافظة الأنبار الغربية خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وفي حين فر الكثير من مقاتلي العشائر، إلا أن آخرين ألقي القبض عليهم واعتقلوا – ثم لقوا حتفهم في إعدام جماعي بعد ذلك، على حد وصف رجال العشائر. ويلقي رجال العشائر باللائمة على الحكومة لفشلها في توفير المزيد من الدعم، جنبا إلى جنب مع حالة انعدام الثقة الكامنة والفساد المستشري منذ عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. وقال قادة عسكريون أميركيون إن الجيش العراقي يفتقر للقدرة على التقدم لمساعدتهم. وقال الكعود إن عشيرته تسلمت بعض الأسلحة في 15 يناير (كانون الثاني) الماضي، أي بعد أسبوعين من سيطرة تنظيم داعش على أكبر مدينتين في محافظة الأنبار. ومنذ ذلك التاريخ لم يتلقوا من الجيش العراقي سوى حمولة جوية من 50 ألف رصاصة أسقطت عليهم خلال الصيف الماضي، على حد قول الكعود. وأضاف: «ذلك هو الفساد - فإن أولئك الذين يفترض عليهم تسليمنا الذخائر يقومون ببيعها في السوق السوداء ويدفعوننا دفعا إلى شرائها منهم. هناك الكثير من الضباط الفاسدين في الجيش». وكشف أن اجتماعا عقد قبل أسبوعين مع رئيس الوزراء لم يسفر سوى عن وعود. وقال: «أخبرني أنهم أرسلوا الكثير من الأسلحة إلى الأنبار، لكن لم يصلنا شيء بسبب الفساد، ولا يزالون يحققون في الأمر». لقد حاول العبادي التعامل مع مسألة الكسب غير المشروع منذ أن تولى مهام منصبه في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي وأقال عددا من كبار الضباط، غير أن المسؤولين والمحللين الأميركيين يقولون إن سوء الإدارة ضارب بجذوره في الحكومة هناك. ويعد التمويل أيضا من المشاكل أمام تسليح العشائر السنية في العراق، على حد وصف المسؤولين العراقيين، مضيفين أنه من المرجح للمشكلة أن تتعقد. فالاقتصاد العراقي، المنهك إثر أسعار النفط المتراجعة، يتوقع له أن يشهد انكماشا بنسبة 2.7 في المائة في عام 2014. طبقا لصندوق النقد الدولي. ويقول أحمد محجوب، وهو مستشار لرئيس البرلمان سليم الجبوري، «لسنا واثقين من أن الحكومة ستكون قادرة بشكل فعال على مساعدتهم نظرا لنقص التمويل المتاح». ورغم محورية تلك الجهود في استراتيجية طرد المتشددين، فإن القدر المبذول حتى تاريخه من تلك الجهود لا يزال محدودا. وفي مخيمات اللاجئين في أربيل، جمع شيوخ العشائر أسماء الراغبين في المشاركة في القتال، لكنهم يشكون من أن انعدام الثقة بين الحكومة والعشائر السنية يعيق تقدم تلك الجهود. وفي مخيم على مقربة من أربيل يقول الشباب إنهم تواقون للقتال ويعربون عن استعدادهم للقيام بأي شيء لتحرير أنفسهم وعائلاتهم من الواقع الكئيب في المخيمات. ويقول فيصل العبيدي (30 عاما) «نحن لا نريد المال. لا نريد شيئا مطلقا - فقط أعطونا السلاح، وسننطلق للقتال. هناك الكثيرون منا هنا يحملون نفس الشعور». وقد جرى فعليا تجنيد الكثير ممن خدموا ذات مرة في شرطة مدينة الموصل من داخل مخيمات اللاجئين وهم متجمعون حاليا في أحد معسكرات التدريب على مشارف كردستان، وقد أطلق عليه اسم «معسكر تحرير الموصل». ويقول خالد الحمداني، قائد شرطة الموصل السابق الذي يدير معسكر التدريب المذكور، إن هناك نحو 4 آلاف مقاتل قيد التدريب هنا، وهم ينتظرون التسليح والتدريب. لكن بعض المراقبين يقللون من شأن هذا الجهد الذي يشرف عليه أثيل النجيفي، محافظ نينوى. ويقول فراس قصي (25 عاما) مازحا، وهو من الموصل ولديه أصدقاء قد انضموا إلى المعسكر التدريبي «ليس معهم إلا 3 بنادق آلية يتداولونها بينهم». ويوضح الحمداني أن عملية إنشاء المعسكر، الذي افتتح قبل أسبوعين، قد تأخرت بسبب الروتين لأن المسؤولين يحتاجون إلى التفاوض مع الأكراد ومع الحكومة المركزية، مع ما تشهده العلاقات بينهما من توتر في الوقت الحالي. وقال الحمداني إنه يأمل في تسلم أول دفعة من الإمدادات والمعدات من وزارة الداخلية العراقية بحلول الأسبوع المقبل. وأعاقت النزاعات الداخلية التقدم كذلك، على حد قول المسؤولين. فالنجيفي يعتبر من الشخصيات المسببة للخلافات ويلقي البعض عليه، بصورة جزئية، لائمة الانهيار الأول الذي شهدته مدينة الموصل في وجه المتشددين، وذلك لأنه كان المحافظ وقتها. وقد قاطع أعضاء من مجلس محافظة نينوى الاجتماع الذي عقد مؤخرا مع رئيس الوزراء في بغداد، ويقولون إن موقفهم ذلك جاء اعتراضا على وجود النجيفي. بدوره، قال محجوب: «سنعقد، نحن عشائر نينوى، في الأسبوع المقبل اجتماعا لمناقشة عملية تحرير الموصل. وكل ذلك يجري بعيدا عن النجيفي». من جهته، قال الشيخ عبد الله الياور، زعيم قبيلة شمر القوية، إنه صار أحد المحاورين الرئيسيين لدى الحكومة. وقبيلة شمر، مثل بقية القبائل، جمعت مقاتليها في إقليم كردستان لكنهم ينتظرون الأسلحة والتدريب. ويؤكد رافد جبوري، المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء العراقي، أن العبادي «ملتزم بتقديم الدعم الكامل والعشائر السنية ذات أهمية استراتيجية بالنسبة للحكومة، غير أن الأمر شديد التعقيد. إنها الحرب». وأضاف أنه على مدى الأسبوعين الماضيين، التقت حكومة العبادي مع ما لا يقل عن 5 وفود من عشائر الأنبار، والموصل، وصلاح الدين. يقول الشيخ خالد الشمري، وهو من زعماء قبيلة شمر: «حتى الآن، لم نتلق دعما حقيقيا من الحكومة الكردية أو العراقية. لقد طلبوا منا تسجيلا لأسماء لتشكيل كتيبة واحدة، من 350 إلى 400 فرد.. ولقد قمنا بذلك فعلا وسلمنا القائمة قبل أسابيع، ولم نسمع شيئا من وقتها». * خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»
مشاركة :