أي مسار لبرنامج إيران النووي؟ - عبدالجليل زيد المرهون

  • 9/13/2013
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في السادس من أيلول/ سبتمبر 2013، قالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كاثرين آشتون، إنها تأمل في تحديد موعد للمحادثات النووية مع إيران. وأشارت إلى أن القوى العالمية تريد التحرك بسرعة لاستئناف المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني. وتقود آشتون المحادثات مع إيران نيابة عن السداسي الدولي، المكون من الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وألمانيا وفرنسا. وقبل يوم على تصريحات آشتون، قال الرئيس الإيراني الجديد، الشيخ حسن روحاني، إن وزارة الخارجية الإيرانية ستقود الجانب الإيراني في المحادثات النووية مع السداسي الدولي، في خطوة تهدف، على ما يبدو، لتسهيل العملية الدبلوماسية، بعد سنوات من إطلاقها. وفي 21 آب/ أغسطس 2013، قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في تقرير فصلي جديد حول البرنامج النووي الإيراني، إن إيران واصلت، منذ أيار/ مايو الماضي، تركيب أجهزة طرد مركزي جديدة، تمكنها من تخصيب اليورانيوم بشكل أسرع. وقالت الوكالة، في تقريرها، إن إيران تواصل تركيب أجهزة طرد مركزي من نوع (IR–2M) في إحدى الوحدات في موقع نتانز وسط البلاد. وأنها باتت تمتلك 1008 أجهزة للطرد المركزي المتطوّرة. وتدور أجهزة الطرد المركزي بسرعة تصل إلى سرعة الصوت، لزيادة نسبة النظائر المشعة في اليورانيوم. وكانت إيران قد أعلنت رسمياً أنها بدأت في تركيب جيل جديد من أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم. وأبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنها تزمع نقل هذه الأجهزة إلى منشأة التخصيب الرئيسية في نتانز. ويُمكن لأجهزة الطرد المركزي الجديدة تنقية اليورانيوم بسرعة أكبر عدة مرات من الجيل الذي كانت تستخدمه إيران. وحسب أولي هاينونين، الذي عمل حتى العام 2010 نائباً للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن إيران بدأت في شراء مواد خاصة مطلوبة لتصنيع أجهزة طرد مركزي جديدة قبل سنوات، عندما كانت العقوبات المفروضة عليها أقل تشدداً مما هي عليه الآن. وقال هاينونين: هناك ما يدعو للاعتقاد أن إيران يمكنها تصنيع ثلاثة آلاف من أجهزة (IR-2). وكانت طهران تحاول، على مدى سنوات، تطوير أجهزة طرد مركزي أكثر تقدماً من أجهزة (IR-1)، المنتجة في سبعينيات القرن الماضي. ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية، فإن هذا الطراز من أجهزة الطرد المركزي من شأنه تمكين إيران من تحويل اليورانيوم، المخصب بنسبة تقرب من 20%، إلى يورانيوم مخصب بمعدل 90%، أي إلى المستوى العسكري، في غضون أسبوع تقريباً. وفي حال جمعت إيران ما يكفي من اليورانيوم المخصب على مستوى عسكري، فإن عملية التصنيع اللاحقة قد لا يمكن رصدها إلا بعد أن تقوم إيران بتجربة تحت الأرض، أو أن تكشف عن امتلاكها للسلاح النووي. وبحسب تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، صدر في أيار/ مايو 2013، فإن طهران أنتجت في الإجمال 324 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 20%، أي بكمية أكبر من ال 240 كيلوغراماً الضرورية لصنع قنبلة نووية. وعلى الرغم من ذلك، فقد حولت نحو 40% من هذا المخزون لإعداد وقود لمفاعلها الخاص بالأبحاث الطبية. وكان قد كشف النقاب، في 27 أغسطس 2011، عن منشأة إيرانية لإنتاج ألياف الكربون، وهي مادة استراتيجية لبناء أجهزة الطرد المركزي الخاصة بتخصيب اليورانيوم، وكذلك لإنتاج أغلفة خفيفة الوزن لمحركات الصواريخ، العاملة بالوقود الصلب. من جهة أخرى، قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن إيران تحرز تقدماً، على ما يبدو، في بناء مفاعل أبحاث، قد يتيح لها طريقاً ثانياً لإنتاج مواد تستخدم في صناعة السلاح النووي، إن هي قررت ذلك. وقالت الوكالة إن إيران أكملت تقريباً تركيب دائرة تبريد وتنظيم في محطة نووية تعمل بالماء الثقيل بالقرب من بلدة آراك. وهذا النوع من المفاعلات قد ينتج بلوتونيوم، يستخدم في إنتاج أسلحة نووية، إذا أعيدت معالجة الوقود المستنفد. وفي 9 حزيران/ يونيو 2013، قالت طهران إنها قامت بتركيب الحاوية الرئيسية لمفاعل آراك، وأشارت إلى أنها ستختبر المفاعل بوقود افتراضي حتى نهاية السنة الإيرانية، التي تنتهي في آذار/ مارس 2014. ويهدف مفاعل آراك لإنتاج نظائر مشعة، وهو سيحل تدريجاً محل مفاعل طهران للأبحاث. ويفترض أن يصبح عملانياً في الربع الثالث من العام 2014. ويُمكن لهذه المحطة إنتاج حوالي تسعة كيلوغرامات من البلوتونيوم سنوياً، وهو ما يكفي لإنتاج قنبلتين نوويتين. ولكن قبل أي استخدام للبلوتونيوم في إنتاج سلاح نووي، يتعين فصله أولاً عن أي وقود غير مشع. وفي قراءتهم الفنية للبرنامج النووي الإيراني، يشير عدد من العلماء إلى توّسع مطرد في هذا البرنامج، من حيث حجم المنشآت القائمة، ومستوى تخصيب اليورانيوم، وأعمال التصميم الهندسي المختلفة. ولكن هل انتهكت إيران معاهدة حظر الانتشار النووي بالمعنى القانوني؟ هذا الأمر غير واضح في القراءات الدولية الراهنة لهذه المعاهدة. وفي الأصل، لا تحتوي المعاهدة على آلية دقيقة لتحديد ما إذا كان طرف ما قد أخل بالتزاماته. ووحده مؤتمر الاستعراض السنوي يُمكنه اتخاذ قرار بهذا الشأن. كذلك، ليس من سلطات مجلس الأمن الدولي، أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، الفصل في انتهاكات المعاهدة. وفي مقابلة نشرتها مجلة نيويوركر الأميركية عام 2011، قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية حينها، محمد البرادعي، إنه لم ير "أي دليل" على أن إيران سعت لإنتاج سلاح نووي بعد عام 2003. وعلى الصعيد الأميركي الرسمي، قال رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية الأميركية، جيمس كلابر، في تقرير للكونغرس، قدم في 12 آذار/ مارس 2013: إن "إيران حققت تقدماً في العام 2012، ومن ثم أصبحت في وضع أفضل لإنتاج اليورانيوم المناسب لصنع السلاح النووي، إذا ما قررت ذلك". وقال كلابر: "لا نعرف ما إذا كان الأمر سينتهي بأن تقرر طهران صنع أسلحة نووية". وقد استبعد كلابر هذا الاحتمال، وأشار إلى أن الإيرانيين لا يسعون للدخول في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة. وسبق أن أكد تقييم للمخابرات الأميركية، في العام 2011، وجهة نظر قال بها تقرير مماثل صدر عام 2007، ومفادها أن إيران أوقفت جهودها لتطوير وبناء قدرات عسكرية نووية منذ العام 2003. ويعتقد بعض مسؤولي الاستخبارات بأن إيران قد لا تهدف لصناعة قنبلة نووية، لكنها تسعى لترسيخ سياسة غموض استراتيجي، من خلال زرع الشك في نواياها النووية لدى الدول الأخرى، ما يتيح لها زيادة نفوذها الجيوسياسي بوجه عام. وهذه سياسة كانت معتمدة من قبل كل من الهند وباكستان، قبل إعلانهما الرسمي عن إنتاج السلاح النووي عام 1998. كذلك، يعتقد بعض خبراء الدفاع أنه حتى لو امتلكت إيران ما يكفي من اليورانيوم العالي التخصيب لصنع سلاح نووي واحد، فإنها ربما تبقى في حالة انتظار، وتجمع ما يكفي لبناء ترسانة صغيرة، إذ إن قنبلة واحدة قد لا تكون مفيدة لخلق ردع نووي. ويرى معهد العلوم والأمن الدولي، في دراسة نشرها في كانون الثاني/ يناير 2013، أن إيران قد اكتسبت "القدرة الحاسمة"“critical capability” لصنع سلاح نووي. ويُعرف هذا المصطلح بأنه القدرة على إنتاج ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لصنع قنبلة نووية واحدة، في فترة زمنية قصيرة. وعلى الرغم من ذلك، يرى بعض العلماء أن إيران ربما تواجه صعوبة في تصميم رأس حربي نووي يتلاءم مع أحد الصواريخ متوسطة المدى التي بحوزتها. ونحن هنا بصدد معضلة مركبة، ترتبط بمدى القدرة على تصميم الرأس الحربي من جهة، ومدى توفر وسائط نقل هذا الرأس من جهة أخرى. ويشير المركز القومي الأميركي للاستخبارات الجوية والفضائية (NASIC)، إلى أن الصاروخ «سفير -2»، الذي أطلقته إيران في شباط. فبراير من العام 2009 لوضع القمر الصناعي (أوميد) في المدار، يُمكن استخدامه لاختبار تكنولوجيا الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، التي قد تستخدم كناقل للقنبلة النووية متى وجدت. وتعد هذه المسألة موضع تداول تقليدي في القراءة الدولية لبرنامج إيران النووي، التي تذهب إلى ما هو أبعد من مجرد إنتاج القنبلة. وأياً يكن الأمر، ثمة مسار جديد يبدو أنه بدا يشق طريقه في دبلوماسية إيران النووية، وهذا المسار يُراد له أن يُعيد صياغة جملة من التصوّرات والخيارات، التي من شأنها الدفع باتجاه ردم الهوة القائمة بين طهران والسداسي الدولي..

مشاركة :