رزان عدنان | قالت محطة بلومبيرغ الإخبارية في تقرير صدر عنها مؤخراً إن المشكلة في لبنان، ثالث أعلى بلدان العالم مديونية، بدأت تبدو وكأنها شبيهة بمشكلة اليونان مالياً. وإذا كان بقاء اليونان كجزء من منطقة اليورو الأوروبي أمراً حاسماً بالنسبة للمشروع الأوروبي، فإن لبنان هو المفتاح للحفاظ على ما تبقى من السلام في الشرق الأوسط. من مكتبه في بيروت، يقول نائب رئيس الوزراء غسان حاصباني: «لا أعتقد أن أحداً يعي خطورة الوضع». فالوقت حان للحصول على حزمة مساعدات دولية من شأنها أن تجبر لبنان على الإصلاح، «بالطريقة ذاتها التي تم فيها إنقاذ اليونان، ولكن قبل أن يفوت الأوان»، على حد قوله. لا جديد حول هذه الدولة الممسوكة بتوازن طائفي هش يجري على حافة الهاوية. لكن الجديد هو أن لبنان لم يواجه أبداً مثل هذا الكم الهائل من التحديات في الوقت ذاته، كل هذا والبلاد لا تستطيع إلا الاعتماد بشكل أقل على المصادر التقليدية للأموال من الخارج، سواء من المغتربين بدول الشتات أو من السعودية سابقاً. عدا عن ذلك، يمثل لبنان ساحة معركة سياسية لأطراف اقليمية. تسبب الصراع بتدفق مليون ونصف المليون سوري عبر الحدود، وهو أكبر عدد من اللاجئين قياساً بكل فرد، وخلافات بين الفصائل اللبنانية مما أحبط الجهود المبذولة لتخفيف الضغط على الموارد المالية للبلاد. عدا عن مساعي الولايات المتحدة الأميركية للحد من قوة حزب الله اللبناني. بناء على الوضع القائم، انخفضت السندات اللبنانية ونمت الودائع المصرفية بأبطأ وتيرة لها منذ نهاية الحرب الأهلية قبل نحو 30 عاماً. ولا يمكن للإيرادات الحكومية مواكبة الإنفاق حيث تطفو على السطح مشاكل الاقتصاد وخلافات الساسة قبل انتخابات مايو. أما عجز الميزانية فتضخم إلى أكثر من 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. في الشهر الماضي، دقّ صندوق النقد الدولي ناقوس الخطر، حيث قال إن الاقتصاد في طريق غير مستدام ويتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة. وأضاف الصندوق أن البنك المركزي بحاجة إلى تقليص تباطؤ الودائع المصرفية التي ساعد نموها على دعم الدين العام المرتفع. الذي يبلغ حجمه حالياً 79 مليار دولار، أو 150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، رغم ما قاله من أنه على الأرجح سيصل إلى 180 في المئة في غضون خمس سنوات. ومن شأن ذلك أن يضع لبنان في المكان الذي تقف فيه اليونان الآن بعد أن خضعت لأكبر عملية إعادة هيكلة للديون في عام 2012. ورغم أن اليابان هي الدولة الوحيدة التي لديها أعلى نسبة ديون في العالم، لكنها ليست تحت رحمة القوى الخارجية لأن عملتها تتداول بحرية على عكس لبنان المرتبط بالدولار، أو اليونان العضو في الاتحاد الأوروبي. في مؤتمر للمانحين من المقرر عقده الشهر المقبل في باريس، سيسعى لبنان إلى جمع الأموال لزوم برنامجه في البنية التحتية البالغة قيمته 16 مليار دولار. ويقول زياد داوود، الخبير الاقتصادي في «بلومبيرغ إيكونوميكس»، إن المستثمرين يقومون ببيع السندات اللبنانية في الأسواق، وسيؤدي ارتفاع عوائد السندات إلى جعل تكاليف الخدمة أكثر عبئاً، كما أن مستوى الدين لا يمكن تحمله أكثر. هذا وقفز العائد على السندات اللبنانية المقومة بالدولار 59 نقطة أساس في الشهر الماضي، وهي الأعلى منذ إصدار الدين العام الماضي. وجرت العادة أن يكون الدين ملاذا في الفترات التي تشهد خلالها الأسواق اضطرابات بسبب دعم البنوك المحلية، ولكن الزيادة كانت ثلاثة أضعاف متوسط الزيادة في سندات الأسواق الناشئة في فبراير، وفقاً لمؤشر بلومبيرغ باركليز. يقول مصرفي إن السيولة هي السبب في عدم وجود تداول آمن، لأن البنوك لم تعد توفرها. وبحسب تقديراته يستحوذ المستثمرون الأجانب على حوالي 8 مليارات دولار، أو 30 في المئة من سندات باليورو مستحقة. هذا هو أكثر من ضعف النسبة في السنوات القليلة الماضية، وبالتالي يعتبر الوضع الآن محفوفاً بالمخاطر. إلى هذا، تستحوذ الرواتب الحكومية وخدمة الدين على أكثر من 70 في المئة من المصروفات، بينما يذهب 10 في المئة إلى دعم الكهرباء، مما يجعل النطاق ضيقاً جداً على الحكومة لتخفيض المصروفات. وفي حين أن حاصباني يقول إن لبنان بحاجة إلى مساعدة دولية، هناك أسئلة عن الدول التي قد تساعد البلاد. بعض الدول الخليجية رفضت مساعدة لبنان مالياً كما كانت تفعل في الماضي بسبب حزب الله، الجماعة المدعومة من إيران التي تتمتع بنفوذ كبير في لبنان. وصرح رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري قائلاً إن المملكة العربية السعودية ستحضر مؤتمر المانحين في أوروبا هذا العام، بما في ذلك مؤتمر في باريس وآخر في روما، لجمع الأموال للبنية التحتية اللبنانية والجيش. وأكد أن السعوديين «أكدوا مشاركتهم النشطة في هذه المؤتمرات». ولكن زيارته الأخيرة إلى الرياض كانت أكثر رمزية من الناحية السياسية من كونها زيارة لتأمين مساعدات مالية، وفقا لهاني صبرا، مؤسس شركة ألف الاستشارية ومقرها نيويورك. لبنان يعتمد على ودائع القطاع الخاص، وبشكل رئيسي ملايين المغتربين اللبنانيين الذين يرسلون أموالهم الى الوطن، للحفاظ على استقرار البنوك والدفاع عن ارتباط الليرة بالدولار. وطالما أن الأموال تتدفق على لبنان، فإن البنوك ستكون سعيدة باستخدام الديون الحكومية. وفي حين انخفض نمو الودائع إلى 3.8 في المئة العام الماضي بسبب حادثة سعد الحريري خلال شهر نوفمبر، ذكر محافظ البنك المركزي رياض سلامة أن النظام المالي أظهر مرونته. هذا وشهد لبنان خروج تدفقات بقيمة ملياري دولار بعد أن أعلن الحريري استقالته المفاجئة في نوفمبر الماضي. وأرسلت بعض البنوك عن طريق رسالة نصية للبنانيين الذين يعيشون في الخارج، عروضاً بأسعار فائدة أعلى. واحد من البنوك قدم ما يصل إلى 6 في المئة على الودائع التي تصل قيمتها إلى مليون دولار وأكثر.
مشاركة :