هذا العنوان الذي جاء خلاصة لتجارب البشر على مر الزمان وسيبقى يعايش الإنسان في كل زمان ومكان، وقد اقترن بالعقوبة وهو الوجه الآخر لها، العدالة والمساواة أمام القانون، وقد صور ذلك الفلاسفة وجسّموه بتمثال على هيئة امرأة معصوبة العينين وتمسك في يدها اليسرى ميزان العدالة المتساوي الكفتين، وباليد اليمنى تمسك سيفا قاطعا لمن ينحرف عن الطريق السوي، ليدل على أن العدالة عمياء لا تفرق في إحقاق الحق بين وزير أو خفير، غني أو فقير، والمناسبة في إيراد ما تقدم هو تراجع ترتيب الكويت في مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية لعام 2017، حتى قياسا بالدول الخليجية الشقيقة، علما أن الكويت هي الدولة الأكثر تشريعا ومؤسسات رقابية وأجواء ديموقراطية، وإعلام أكثر حرية، ومع ذلك فنحن نلاحظ استشراء الفساد، خصوصا في السنوات الأخيرة، فالمشكلة إذاً ليست في التشريعات أو مجرد تأسيس لجان وهيئات رقابية، ولكنّ هناك داء عضالا يجب استئصاله، وقد استفحل في معظم مؤسسات الدولة، وهي رأس الهرم الوطني والاجتماعي، وتجب معالجته أو استئصاله، ألا وهو التعيينات في المراكز القيادية بناء على الواسطة والمحسوبية والتسامح في المحاسبة وإنزال العقوبة بسبب التوازنات العائلية والعشائرية، فبداية من السلطة التنفيذية يكون تعيين الوزراء غالبا بناء على توازنات قبلية وعشائرية وعائلية من دون النظر إلى الكفاءة في شغل المقعد الوزاري، وهذا الوزير سيقرّب محسوبيه ودالته ويقصي الأكفاء منهم أو فرض التقاعد عليهم، ومن يأتي مسنودا هكذا سيتبع نفس سياسة الوزير فيمن تحت قيادته من موظفين، وهكذا حتى الخفير، فتغيب المحاسبة والمراقبة حتى لو اعترضت هيئات الرقابة أو اصطدم الوضع بالقانون، والموظف الكفء يهمل، ويقدم عليه الفاسدون والمقصّرون ولا يواجهون بالحزم في الخضوع للقانون ونيل العقوبة، وأما السلطة التشريعية فحدث ولا حرج؛ لأن انتخابها يأتي من خلال نظام انتخابي أساسه في الغالب القبلية والطائفية، ولن تجدي القوانين والتشريعات، ما دامت لا حزم في تنفيذها، فيأتي نائب ما متخطيا، لكونه نائبا يجب أن يمثل الشعب كله بروح شاملة لرعاية مصالح كل مواطن إلى نائب في خدمة أبناء دائرته وقبيلته وعائلته وطائفته، يجول في أروقة الوزارات لتخليص معاملاتهم من موظف تسبّب في تعطيلها، أما السلك الإداري في السلطة القضائية فلا يختلف إداريا عن باقي وزارات الدولة من حيث التعيين والترقية فيه، وقد عاصرت معظم من تولوا كوزراء في العدل، ومنهم زملاء دراسة أو زملاء مهنة المحاماة، ولكن يبدو أن الرياح لم تكن تجري بما تشتهيه سفنهم، ولا يفوتني التنويه والاستبشار بجهود الأستاذ فهد العفاسي وزير العدل الحالي، وهو ابن المؤسسة القانونية وما يقوم به من ثورة إدارية في كل مرافق وزارة العدل، بما يتناسب والتقدم الإداري والاجتماعي الذي طرأ على دولة الكويت يستحق عليه الثناء، وأرجو أن يعمل على تقديم قانون مخاصمة أعضاء السلطة القضائية وأعضاء النيابة لإلحاقه بقانون السلطة القضائية، وإعطاء المزيد من الاهتمام في إدارة تنفيذ الأحكام وتطويرها، فلكي نعالج الفساد طبّقوا القانون بحزم ولا تتهاونوا في إنزال العقوبة بالفاسدين. مصطفى الصراف
مشاركة :