الكتابة ليست عملًا مجزياً يمكن التفرغ له

  • 11/14/2014
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

قاص وروائي سوداني ولج إلى عالم الإبداع من بوابة الشعر لكنه لم يلبث حتى اتجه نحو عالم السرد، حيث صدر له عديد من الأعمال الروائية، وقد تمت ترجمة بعض تلك الروايات إلى لغات أخرى كالفرنسية والهولندية، تنبأ له بعض النقاد بالوصول إلى مصاف العالمية جنباً إلى جنب مع الراحل غابريل ماركيز؛ وذلك من خلال روايته الخريف يأتي مع صفاء..لكنه رغم كل ذلك يرى أن الكتابة ليست عملاً مجزياً يمكن التفرغ له وتجويد أدواته في ظل الحصار الذي يطوق المبدع والإبداع في بلده. ضيف هذا اللقاء هو الروائي أحمد الملك فإلى تفاصيل الحوار: .في البدء حدثنا باختصار عن مرحلة البدايات؟ - بدأت بكتابة الشعر قبل أن أهجره إلى كتابة القصة. نشرت عدداً من قصصي القصيرة في أواخر تسعينيات القرن المنصرم في الصحف التي كانت تصدر في فترة الحكم الديمقراطي، كانت قصصي تعالج آنذاك بعض قضايا الهجرة من الريف إلى المدينة وغلب عليها طابع الأسلوب الشعري، في العام 1991 بعد عامين من وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة عبر انقلاب عسكري نشرت أولى رواياتي (الفرقة الموسيقية) كانت رواية صغيرة تنتقد في قالب رمزي غياب الديمقراطية والحريات في العهد الجديد. .عصافير آخر أيام الخريف.. الخريف يأتي مع صفاء.. ترى ما دلالات مفردة الخريف قي قاموسك؟ - الخريف في بلادنا معادل للخير، للنماء، طبيعي في بلاد تغلب الصحراء على جغرافيتها أن يكون الخريف هو رمز الخير والأمل في غد أفضل، الغريب أنه عند ترجمة هذه الرواية إلى الفرنسية والهولندية سمعت من كل الناشرين السؤال نفسه، ونسبة لأن مفهوم الخريف في الدول الغربية هو عكس المفهوم لدينا، حيث تسقط أوراق الشجر وتبدأ الحياة في التراجع لتفسح المجال أمام فصل الشتاء الطويل. لذلك وافقت على اقتراح استبدال كلمة الخريف في عنوان الرواية بكلمة المطر التي تعادل في معانيها لفظة الخريف عندنا. ليصبح العنوان المطر يأتي مع صفاء! المشهد السياسي والرواية .المشهد السياسي حاضر بوضوح في أعمالك الروائية إلامَ ترجع ذلك؟ - بعد ضياع التجربة الديمقراطية تعرضت بلادنا في العهد الحالي لتجربة قاسية هددت كيانها ووحدتها واستقرارها. وكان واضحاً أن المنهج الإقصائي الذي اتبعته الحكومة التي جاءت بالانقلاب سيقود في أفضل الأحوال إلى عدم استقرار سياسي، انفصل الجنوب واندلعت الحروب في أجزاء كثيرة من بلادنا. السلطة التي اتخذت من الدين مرجعاً لها رغم أن الدين الذي يحض على الرحمة والعدالة لم ينعكس عملياً في سلوك هذه السلطة، أصبح الوضع: من ليس معنا فهو ضدنا، ومن هو ضدنا هو ضد ديننا! وكان ذلك مبرراً لقمع الخصم وعدم الاعتراف بالتعدد الثقافي في بلادنا، التنوع الثقافي في بلادنا كان يمكن أن يصب في محصلة ثقافة سودانية غنية وجامعة لو أحسن التعامل معه بعيداً عن الإقصاء والتهميش. في ظروف كهذه يصبح الوطن مهدداً في وجوده نفسه، طبيعي في تقديري أن يتقدم الهم العام كمصدر إلهام أساسي في معظم كتابات الأجيال الجديدة. تجربة الهجرة .تجربة الهجرة في حياتك كيف كانت؟ - الهجرة لم تكن إيجابية المردود بالنسبة لي خصوصاً في بداياتها، كانت أشبه بصدمة الخروج من العالم الذي عشت فيه وكنت دائماً جزءاً من تفاصيله اليومية، وكانت شخصياته، بيئته وأساطيره المدهشة هي مصادر الإلهام للكتابة. لكنني بدأت بمرور الوقت أستوعب الصدمة وأحاول المضي قدماً في مشروع الكتابة، أصدرت بعد ذلك روايتين ومجموعة قصصية وفي الطريق مشاريع أخرى. .كيف تقيم المشهد الثقافي السوداني في الوقت الراهن؟ وهل تعتقد بأنه يعاني من التهميش كما يتردد دائماً؟ - في السنوات الأخيرة اضطر كثير من المبدعين إلى الهجرة، ثمة عقبات كثيرة تواجه المبدع داخل الوطن، إضافة لمخاطر الاصطدام بسلطة ترهب الأقلام الحرة، فإن الكتابة نفسها ليست عملاً مجزياً يمكن التفرغ له وتجويد أدواته، السلطة نظرت خاصة في العقدين الأخيرين بشك كبير إلى المبدع باعتباره عدواً لمشاريعها. لم تكن هناك أية مشروعات جادة لدعم المبدعين، عدا بعض جهود المراكز والمنظمات الخاصة التي لا تغني عن رعاية الدولة. إن كان النشاط الثقافي يحظى بدعم كبير في دولة غنية مثل هولندا. فالحال لن يكون بالطبع مثالياً في بلادنا في سيادة عقلية الاتجاه الواحد التي لا تمد اليد إلا لمن يسير في ركابها. عزلة الأدب والأديب .البعض يحمل المؤسسات الحكومية وزر عزلة الأدب والأديب السوداني فيما يرى البعض الآخر أن وسائل الإعلام السودانية هي المسؤولة.. أنت كمبدع ما رأيك؟ - كما أسلفت مؤسسات الدولة حتى حين تحسنت أوضاع الدولة اقتصادياً قبل سنوات لم تعط للثقافة حيزاً كبيراً في اهتمامها، ربما كان هناك بعض الاهتمام بقطاعات معينة كنوع من الدعاية السياسية. وسائل الإعلام عانت كثيراً من سيطرة الدولة. لا توجد صحافة تهتم بالأدب بالصورة المرجوة. والصحافة نفسها تتعرض يومياً لمشاكل مع السلطة إن حاولت الخروج عن الخطوط الحمراء المرسومة لها. كما تحارب السلطة كل خروج عن خطها مادياً بحجب الإعلانات أو المصادرة التي تضر كثيراً بناشر تكبد نفقات الطباعة. أما القنوات الفضائية الحكومية أو شبه التابعة لها فبالطبع تولي اهتمامها للنظام ومن يسير في خطه. .المبدعون الذين عاشوا خارج حدود السودان هم الأكثر شهرة وانتشاراً ترى أين تكمن المشكلة؟ - طبيعي أن الكثير من المبدعين في الخارج استطاعوا نشر أعمالهم وترجمتها، حيث تحظى الأعمال الفنية والأدبية بدعم كثير من المنظمات التي تعمل في هذا المجال. حرية الكتابة دون مخاطر تشجع أيضاً على الكتابة رغم أن الغربة نفسها تفرز مشاكل ثقافية واجتماعية، خاصة بالنسبة للسودانيين الذين تطاردهم ضغوط مجتمعاتهم حتى في الغربة. لكن تبقى الحرية مكسباً مهماً إن أمكن تجاوز العقبات الأخرى. .لماذا يرحل المبدع في وطننا العربي مكفناً بالفاقة والمرض وأقرب مثال على ذلك رحيل المبدع محمد بهنس؟ - ما سبق لي قوله، في دول كثيرة يحصل الكاتب على دخل مجز من مبيعات كتبه، يشجعه على التفرغ واحتراف الكتابة. تكون اتفاقيات النشر دائماً واضحة تحفظ حقوق كل الأطراف. بعكس التعامل مع الناشرين في بلادنا. والذين يعانون أيضاً من مشكلة تراجع بيع الكتاب أمام صعوبات المعيشة ودور الدولة السلبي غير الداعم للكتاب. فيصبح المبدع بين مطرقة تدبير سبل عيشه وعيش أسرته وسندان ابتعاده تحت وطأة ظروف الحياة الضاغطة، عن فنه. ما جرى لمحمد بهنس كان مأساة بحق تجلى فيها الدور السلبي للدولة، وللمنظمات الخاصة وحتى لزملائه من المبدعين، الذين لا تجمعهم أية منظمات تكون هي الحد الأدنى البديل لدور الدولة. لكن توزع الناس في المهاجر وانشغالهم بحياتهم الجديدة بما فيها من تعقيدات ثقافية وغيرها وانحصار دور الباقين في الوطن في مطاردة أرزاقهم ومحاولة إيجاد منافذ لنشر إبداعهم، بعيداً عن ضغوط رقابة السلطة، أدى لضعف ذلك الدور، رغم أنه كان يمكن الإفادة في تقديري من الثورة المعلوماتية في قيام أقسام تقوم على الأقل بالحد الأدنى من المساعدة المطلوبة للمبدعين الذين يمرون بظروف خاصة. الإبداع والتعددية .السودان بلد متعدد ومختلف الثقافات كيف انعكست هذه التعددية على المبدع والإبداع؟ - كما ذكرت التنوع يمكن أن يكون عاملاً مهماً لإثراء الإبداع، بسبب كبر بلادنا التي تقطنها مجموعات إثنية متنوعة احتفظت معظمها بعاداتها وتقاليدها ولغاتها، رغم أن خيط الانتماء للسودان كان دائماً حاضراً، هناك الكثير من الأغاني الشعبية والحكايات والأشعار المحلية والرقص والأزياء والآلات الموسيقية التي تميز كل منطقة في بلادنا، ثقافة شعبية غاية في الثراء. لكن تزايد معدلات التهميش أمام تزايد سطوة مركز احتكر كل شيء أدى لنشوء الكثير من المظالم التي قادت مجموعات كثيرة لحمل السلاح. .من خلال أرقام المبيعات كيف ترى مقروئية رواياتك؟ - بالنسبة لي القارئ الأول بالطبع هو القارئ في بلادنا، كان توزيع روايتي الأولى الفرقة الموسيقية وروايتي الثانية عصافير آخر أيام الخريف ممتازاً للغاية، حيث نفدت الطبعتان في وقت وجيز. الخريف يأتي مع صفاء لم يتمكن ناشرها من توزيعها في السودان فقمت بالاتفاق مع ناشر آخر استطاع توزيعها هناك رغم أنه لم يتمكن من طباعتها بالجودة والاحترافية نفسيهما اللتين تم بهما إخراج الطبعة الأولى عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر. وتلك واحدة من المعضلات التي يواجهها الكاتب في بلادنا. قائمة المبدعين .من الكاتب الأبرز في قائمة المبدعين في السودان؟ - يظل الطيب صالح هو الأكثر شهرة، بسبب مقدراته الفنية العالية وعبقريته التي تمخضت عن كتابة سابقة لأوانها وصالحة لكل زمان. هناك كاتب مبدع لم يجد الشهرة التي يستحقها ربما أيضاً بسبب عوائق النشر هو الأستاذ إبراهيم إسحق، هناك القاص المبدع بشرى الفاضل. هناك أجيال جديدة تكتب بوعي بقضايا وطنها ومقدرات فنية عالية رغم عوائق النشر، هناك أمير تاج السر الذي دخل عدة مرات في ترشيحات البوكر العربية، وعبدالعزيز بركة والحسن بكري ومنصور الصويم وعفيف إسماعيل وهشام آدم وعماد البليك وغيرهم من الأجيال الجديدة. .ما حدود معرفتك بالمشهد الثقافي السعودي؟ - قرأت وأعجبت كثيراً بالروائي الكبير عبده خال، ألاحظ أن الدولة السعودية تعطي اهتماماً كبيراً للثقافة والإبداع يتجلى ذلك في مهرجان الجنادرية وغيره من المناسبات الثقافية. .إشراقة شمس يوم جديد ما الذي تحمله لك؟ - تحمل الكثير من الأمل في تحقق مشروعات كتابة كثيرة تنتظر دورها رغم الخوف أحياناً أن يصبح هذا الانتظار أبدياً. .ختاماً هل من كلمة؟ - أشكركم كثيراً في مجلة اليمامة على اهتمامكم الكريم والشكر للأخت الأستاذة فاطمة الرومي.

مشاركة :