7 سنوات على الثورة ضد نظام الأسد

  • 3/17/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

متطوعون من الدفاع المدني السوري يساعدون جريحاً خلال قصف حكومي للمناطق التي يسيطر عليها المعارضة السورية على مشارف دمشق – 6 مارس (آذار) الجاري – (غيتي). بيروت: فايزة دياب مع نهاية عام 2010 وبداية عام 2011 كانت أنظار العالم تتجه نحو تونس ومصر وليبيا واليمن التي زهّر فيها ربيع الحرية دولة تلو الأخرى، وحينها أيضاً كانت أنظارهم تترقّب سطوع الربيع في سوريا الذي تأخّر عن أوانه فجعل المراقبين يراهنون إن كانت دمشق ستتأثر بالربيع العربي الذي أطاح بثلاثة أنظمة عربية أم لا، إلى أن آن أوان ربيع دمشق ولكنّ ربيعها لم يكن يشبه أيّ ربيع سبقه. المطالب التي نادى بها ثوار تونس ومصر وليبيا واليمن كانت نفسها التي صدحت في سماء سوريا يوم خرج أبناء درعا في الخامس عشر من مارس (آذار) عام 2011، غضباً على القمع والفساد وكبت الحريات، وذلك نتيجة اعتقال وتعذيب القوى الأمنية في سوريا عددا من طلاب كتبوا على حائط مدرستهم التي تقع في بلدة درعا – حي الأربعين: «الشعب يريد إسقاط النظام» متأثرين بأبرز شعار استخدم آنذاك في موجة الاحتجاجات العارمة التي عمّت عددا من الدول العربية التي تأثرت بالربيع العربي. التنكيل والتعذيب الجسدي الذي تعرّض له طلاب مدرسة الأربعين، والذين بلغ عددهم 21 طفلاً دفع أهالي درعا إلى المطالبة بأبنائهم إلاّ أنّ القوات الأمنية واجهت مطالب الأهالي بقمع عنيف، وبعد انتشار رقعة الاحتجاجات التي عمّت غالبية المدن والمحافظات السورية بسبب القمع الدامي الذي مارسه النظام، تحوّلت المطالب شيئًا فشيئاً من المطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية ومعيشية، إلى رفع شعار «حرية… حرية»، وصولاً إلى شعار «إسقاط النظام» الذي يصرّ عليه ملايين السوريين إلى الآن. كثيرة هي الألقاب التي أطلقت على الثورة السورية، وكثيرة هي الأحلام التي بنيت عليها، لكنّ «الديكتاتورية» التي حكمت سوريا لعقود، حوّلت المسيرات السلمية والمطالب المغلّفة بعبء الحياة والفساد المستشري، إلى حرب «كونية» أنهكت كلّ من ثار من أجل الحرية والكرامة وإصلاح النظام، فكان نصيبهم سنوات من التهجير والقتل والتعذيب والقصف والمجازر الكيماوية وحروب الإبادة المتنقلة بين محافظة وأخرى. ولكن بعد سبع سنوات من الحرب التي دمّرت البشر والحجر في بلد اعتاد شعبه على الاستقرار منذ استقلاله، هل ما زالت الثورة السورية حاضرة في وجدان السوريين، ومطلب رحيل «الديكتاتور» وتحرير سوريا من الميليشيات الإيرانية والجيوش التي دخلت الحرب إلى جانب النظام أمرا أساسيا لعودة الاستقرار إلى سوريا؟ الناشط أبو الهدى الحمصي ابن محافظة إدلب التي عانت كباقي المحافظات السورية من بطش النظام وإجرامه دعا في حديث مع «المجلة» إلى «إعادة روح الثورة والعمل لرفع راية النصر، فنحن لن نتخلى عن أهدافنا وفي نهاية المطاف سننتصر، فنحن خلال 7 سنوات نحارب قوة الشر التي اجتمعت بوجه شعب بأكمله نصرة للقاتل والجلاد. منذ البداية كنّا ندرك أنّ الثورة السورية ستدفع فاتورة كبيرة من أجل إسقاط النظام، ولكن ما حصل فاق التوقعات من تشتيت وعمليات تهجير ديموغرافية ممنهجة، إضافة إلى ارتكاب المجازر واستخدام السلاح الكيماوي المحرم دولياً ولكن لا نزال على ثوابتنا ثائرين إلى حين رحيل النظام». وفي المقابل يرى عبد الرحمن أبو نبوت ابن سوريا الذي يعيش في لبنان أنّ «مبادئ الثورة لم تعد كما كانت في بدايات انطلاق الثورة عام 2011، فالصراعات الإقليمية في سوريا والتدخلات الأجنبية العسكرية أسقطت أهم مبدأ من مبادئ ثورتنا وهو أنّ (الشعب السوري واحد) في المقابل، وعلى الرغم من مأساة الحرب التي فرضت على السوريين، ما زالت هناك أصوات من داخل سوريا تطالب بالحرية في وجه النظام السوري أو الميليشيات الإسلامية المتطرفة التي عملت بشكل واضح على انحراف مسار الثورة الطبيعي». وتابع أبو نبوت أنّ الثورة «غيرت أمورا كثيرة ربما لا يلاحظها أشقاؤنا العرب، لكونها اجتماعية أكثر. فالثورة السورية سمحت للسوريين والسوريات بالتمرد على الأعراف والعادات والتقاليد واليوم نجد نساء سوريات يشاركن الرجال في العديد من الأمور وأهمها في الشأن السياسي والفكري، وهذا الأمر لم يكن موجودا من قبل، ولكن للأسف ما زال النظام يسيطر على العاصمة السورية دمشق ويستعيد مناطق عديدة بواسطة حلفائه الروس والإيرانيين، ولم تستطع المعارضة السورية قلب المعادلة لصالح الثورة حتى الآن». القمع والقتل والتنكيل والتعذيب والتهجير الذي مارسه النظام الأسدي بالتعاون مع الميليشيات المذهبية في سوريا والجيوش الأجنبية لم يبدّل إيمان من وقفوا مع ثورتهم على الرغم من المآسي التي عاشوها طيلة سنوات الحرب، ومن هؤلاء الصامدين رغم الجراح غالية الرحال والدة الشهيد خالد العيسى مصوّر الثورة السورية الذي نقل بعدسته الجرائم التي ارتكبت بحق السوريين إلى العالم أجمع، غالية أكّدت أنّ «أهداف الثورة السورية ما زالت قيد التحقيق رغم عدم الوصول لقطاف ثمارها». وأضافت في حديثها لـ«المجلة»: «لا أعتقد أن المؤمنين بالثورة السورية والشاهدين على إجرام الأسد وأتباعه ينتظرون ثمنا غير إسقاط نظام مستبد حرق ودمر كل معايير الكرامة والإنسانية من أجل بقائه على رأس السلطة بحكمه النازي على شعبه، وكل الأوراق والترتيبات والمحادثات التي تقرر مصير شعب طالب بالحرية والكرامة ليس لها معنى، وحده الشعب السوري بقدرته يستطيع أن يغيّر ما يحاك من بعيد أو قريب، هو فقط من يستطيع بإيمانه بأهداف ثورته التي يفتديها بدمه، أن يقطف ثمار ثورته بعد العيش في ظروف القهر والجوع والتشرد ويحفظها لجيل قادم يعيش معنى الحرية». فؤاد الحلاق مصوّر سوري استطاع الهجرة من ظروف الحرب قبل عامين يرى في حديث لـ«المجلة» أنّ «الثورة لم تكن نقمة على السوريين كما يقول البعض، فالسوريون اكتشفوا صوتهم خلال الثورة، الصوت المكتوم خلال عقود من حكم الأسد الأب والابن. لكن اليوم، الثورة التي نشأت ضد النظام الديكتاتوري في سوريا، تحولت لحرب دولية من قبل العديد من الأطراف ضد الشعب السوري الذي يعيش حرب إبادة متنقلة بين مناطقه، وآخرها في الغوطة الشرقية». وعن تحوّل الثورة من سلمية إلى حرب يقول الحلاق إنّ «دموية الأسد تفوقت على كافة المجرمين منذ بدء الخليقة، ومع ذلك، قوى الثورة سيطرت على أكثر من 70% من مساحة سوريا حتى النصف الأول من 2013. لكن الاستعانة بإيران وميليشيات طائفية من العراق وأفغانستان وحزب الله لصالح النظام، وكذلك التدخل الروسي صب في مصلحة النظام، وأيضا كان لتنظيمي داعش والنصرة تأثير سلبي على الثورة ضمن المناطق المحررة وكذلك قوات سوريا الديمقراطية (وهي خليط من عرب وأكراد)، عدة عوامل كانت سببا بتراجع قوى الثورة والتي تفتقد الدعم الدولي في مواجهة جيوش على مستوى العالم». وتابع: «نحن فعلياً نعيش مرحلة (شرعنة) قتل السوريين، ولكن من جرب أن يعيش في كرامة من المستحيل أن يفكر بالعودة للعيش تحت بسطار الأسد وأشباهه. سوريا ستصبح أجمل يوماً ما، إن لم نشهد نحن هذا اليوم، ستشهده الأجيال القادمة، وستدرس الثورة السورية في المناهج المدرسية، وسيكتب عن الثمن الكبير الذي دفعه السوريون من أجل تحررهم من استبداد الأسد، والعالم بأسره». كثيرٌ من السوريين قرّروا الرحيل والهجرة على الرغم من تمسكهم بثورتهم والمبادئ التي نشأت من أجلها، ولكن أيضاً كثير من السوريين يصرون على الصمود تحت القصف بالبراميل المتفجرة التي يرميها النظام الأسدي على رؤوسهم، وبالقرب من رائحة السلاح الكيماوي التي تقضي على الأحياء الذين نجوا من صواريخ الطيران الروسي. مئات الآلاف من السوريين بل الملايين عانوا من المجازر المتنقلة التي ارتكبها النظام وحلفاؤه في حلب وحمص وإدلب والقصير ومضايا وغيرهم الكثير الذي كان مصيرهم إمّا الموت وإمّا التهجير المذهبي، أمّا العين اليوم فهي على الغوطة الشرقية التي يعيش فيها حوالى 400 ألف نسمة يتعرضون يوميا للموت بسبب القصف السوري والروسي الذي يستمر منذ أسابيع بشكل يومي، إضافة إلى الحصار الذي يعيشه هؤلاء منذ خمس سنوات. براء عبد الرحمن الصامد في الغوطة الشرقية رغم الإبادة التي ترتكب بحق أهلها يقول لـ«المجلة»: «لن نرحل ونترك أرضنا للإيرانيين، نحن شعب لديه تاريخ وأجداد وميراث وأرض لن نتخلى عنها مهما اشتد القصف، أصلا ما هي الخيارات البديلة المطروحة؟ هل سيرحلوننا لنسكن في خيام بلاستيكية مثل أبناء إدلب وأهل داريا وغيرهم ممن سبقونا، وتصبح أرضنا لمن لا تاريخ لهم، نحن هنا أصحاب الأرض نملك بيوتا ومزارع ومحال، ومتمسكون بوطننا وأرضنا… هذا قرار محسوم لدينا». بدورها وصفت نيفين حوتري التي تروي أيام الحصار اليومية على صفحتها الفيسبوكية يومياً لـ«المجلة» أنّ «الحياة في الغوطة الشرقية مأساوية، فسكان مدينة بأكملها موجودون في الأقبية لحماية أنفسهم من القصف والصواريخ». ولكن في المقابل تقول إنّ «المدنيين لديهم تجربة سابقة مع النظام، فهو سبق وفتح معبرا لخروج المدنيين من الغوطة المحاصرة منذ 5 سنوات ولكن كل الذين خرجوا من رجال تمّ اعتقالهم في سجون النظام منهم من ماتوا تحت التعذيب ومنهم من لا يزال يقبع في المعتقل، ومنهم من خرجوا بإعاقات نتيجة التعذيب الذي تعرضوا له، أمّا النساء فقد بقين لفترات طويلة داخل المعتقلات للتحقيق معهنّ، لذلك فإنّ المدنيين ليسوا على استعداد أن يعيشوا هذه التجربة التي عاشها أسلافهم. وأنا شخصياً لن أخرج من الغوطة مهما كان الثمن، وأغلب من حولي يفكرون بنفس الطريقة… من صبر 7 سنوات، 5 سنوات، منهم حصار تام 4 أسابيع من القصف المتواصل، يصبر أكثر، فمن يريد أن يترك الغوطة كان قد تركها منذ زمن، ارتباطنا بالغوطة هو ارتباط وطني، أمّا التهجير الذي يخططون له فهو عقوبة لمن آمن بالثورة». كثيرة هي الحكايات التي تحكي مآسي الشعب السوري، من صور المهاجرين على حدود أوروبا، وموت اللاجئين في قوارب التهريب، وجثث الموتى نتيجة العواصف الثلجية وعلى شواطئ المتوسط، وأيضا صور ضحايا البراميل المتفجرة ومأساة مجزرة الكيماوي، ومجازر الطيران الروسي والإيراني والميليشيات المذهبية، والتهجير القسري والخيام البلاستيكية، والفقر والتسول والاستغلال وغيرها الكثير من المعاناة التي لم تزعزع إيمان من قرروا يوماً الوقوف مع ثورة ضدّ جلاد يستمر بارتكاب أفظع جرائم ارتكبت تاريخياً بحق شعب عربي. 15 مارس 2011 تاريخ رسم معالم جديدة لمستقبل سوريا وشعبها، بعد عقود من الحكم البعثي الأسدي الذي اتسم بالديكتاتورية والقمع والخوف، البداية كانت محاولات إصلاحية ولكنّها تحوّلت إلى حرب كونية شتّتت شعباً كاملاً قرّر ذات يوم أن ينادي للحرية.

مشاركة :