واشنطن - من يسعى بشكل حثيث وراء السعادة لن يصبح بالضرورة أكثر سعادة، لأنه سيشكو باستمرار من فقدان الوقت. هذا ما توصلت إليه دراسة أميركية نُشرت في دورية "فيزيكونوميك بولوتين أند ريفيو" بمناسبة اليوم العالمي للسعادة الذي يحل في 20 مارس الجاري. ورصدت الدراسة التي أجراها باحثون من جامعة روتجرز في نيوارك وجامعة تورنتو في أونتاريو، عبر أربعة استطلاعات أجروها عبر الإنترنت، شملت كل منها ما يتراوح بين 100 و300 فرد، أن الأفراد الذين يرون أن البحث عن السعادة يتطلب انخراطا شخصيا في القيام بأمور متعددة يشكون من فقدان الوقت على وجه الخصوص. وفي المقابل، رصد الباحثون أن مجموعة الاختبار التي تعتبر نفسها سعيدة فعلا ينتابها على نحو أقل الشعور بأن الوقت يهرب منها. وأكد الخبراء أننا نجعل أنفسنا بؤساء من خلال محاولتنا أن نكون راضين عن حياتنا. وأضافوا أن البحث عن السعادة يجعلنا نركز أكثر على مقدار الوقت الذي يجب علينا استغراقه في تحقيق ذلك، وهذا ما يجعلنا نشعر بالتعاسة. وأجرى آيكيونغ كيم من جامعة روتجر، وسام ساملبو من جامعة تورنتو سكاربورو، أربع دراسات بحثا فيها كيف أن السعي وراء السعادة وكذلك حالة التأثر بها ينعكس على إدراك الناس للوقت، حيث أن ذلك يدفع المشاركين في الدراسات إلى التفكير في الوقت باعتباره نادرا. أظهرت دراسة أميركية حديثة أن الأشخاص الذين يبذلون الكثير من الجهد في القيام بأمور متنوعة للغاية بغرض أن يصبحوا أكثر سعادة ينزلقون في الغالب في دوامة سلبية يخرجون منها أقل رضا عن حالهم من ذي قبل. وأفادت نتائج الدراسة بأن إدراك الشخص لندرة الوقت يتأثر بالسعي لتحقيق السعادة، حيث كان الوقت قليلا جدا بالنسبة للمشاركين الذين أكدوا أنهم حققوا هدفهم بالسعادة إلى حد ما. وقال الباحثان إن "الوقت يبدو وكأنه يتلاشى وسط السعي وراء السعادة، فقط عندما يتم اعتبار السعادة هدفا يتطلب السعي المستمر". وأظهرت الدراسة أن هناك مفاهيم مختلفة عن السعادة بين الناس، والتي بدورها قد تؤثر على كيفية إدراكنا للوقت الذي نستغرقه لتحقيقها. وقال الخبراء إن الشعور بضغط الوقت غالبا ما يجعل الناس أقل رغبة في قضاء بعض الوقت في مساعدة الآخرين أو التطوع في الأعمال الخيرية، وأوضحوا أنه من خلال تشجيع الناس على خفض القلق بشأن السعي لتحقيق السعادة كهدف لا ينتهي، فإن ذلك قد يؤدي في نهاية المطاف إلى إتاحة المزيد من الوقت، وبالتالي المزيد من السعادة. وأشار الباحثان إلى أنه بالنظر إلى تأثير وفرة الوقت على صنع الرفاهية لدى غالبية الناس، فمن الضروري فهم متى ولماذا وكيف يستخدمون وقتهم بشكل مختلف أثناء سعيهم لتحقيق السعادة والأهداف الأخرى. وأجرى علماء من جامعة هارفارد الأميركية دراسة على 724 شخصا، تتبعوا مراحل حيواتهم المختلفة طيلة 78 عاما، ورصدوا تطورهم النفسي والعقلي، وبحثوا تطور علاقاتهم بأصدقائهم وعلاقاتهم العاطفية، وأجروا كذلك مقابلات شخصية معهم، وأخضعوهم لفحوصات طبية مثل قياس ضغط الدم وأشعة على المخ. وتمكن الباحثون من الخروج بقائمة طويلة من النتائج، كان الدرس الأكبر فيها أن العلاقات الاجتماعية والعاطفية الناجحة تجعلنا أكثر صحةً وسعادة، أما الوحدة فتقتل. وأكدوا أن منح الطفل مشاعر دافئة وعلاقة قوية مع والديه يعني أن تأثير هذه العاطفة سيستمر معه إلى أن يصل مرحلة البلوغ، فالطفولة السعيدة تمنح الإنسان القوة التي تمتد معه لعقود، بل إنها تضمن له علاقات سوية مستقرة في زواجه وصداقاته. وبيّن باحثو هارفارد أن أولئك الذين يستخدمون طرقا ناجحة في التعامل مع الضغط والتوتر يتمتعون بسعادة أكبر من غيرهم، بالإضافة إلى أن التخلص من الضغط أولا بأول يساعد الإنسان على التمتع بصحة جيدة في السبعين والثمانين من عمره. وعندما فحص الباحثون الأشخاص الذين قضوا وقتا أطول مع آخرين، وجدوا أنهم شعروا بسعادة أكبر وبفخر لأن لديهم هذه العلاقات، وقالوا إن قضاء وقت أطول مع شريك الحياة يحمي من التقلبات المزاجية التي تزيد من الآلام المصاحبة لفترة الشيخوخة. الطفولة السعيدة تمنح الإنسان القوة التي تمتد معه لعقود، بل إنها تضمن له علاقات سوية مستقرة في زواجه وصداقاته وفي دراسة أميركية سابقة توصل الباحثون إلى أنه لا يمكن للمال أن يشتري السعادة، ولكن يبدو أنه قادر على تحديد الأشياء التي تجعلنا سعداء، ووجدوا أن الأشخاص الذين لديهم رصيد أقل من المال، يجدون السعادة في أشخاص آخرين، من خلال مشاعر الحب والرحمة والعطف. ولم تقس الدراسة التي أجراها الباحثون في جامعة كاليفورنيا “إرفاين”، وشملت 1519 شخصا (752 ذكورا، 767 إناثا)، من جميع أنحاء الولايات المتحدة، السعادة، حيث بحثت فيما يجعل الناس سعداء مقارنة بدخل الأسرة. وقارن البحث الأوضاع المالية للأفراد إلى عدد المرات التي شهدوا فيها 7 مشاعر إيجابية تمثلت في التسلية والرعب والرحمة والرضا والحماس والحب والفخر. ويجد الأثرياء سعادتهم الخاصة في المزيد من الصفات الشخصية الذاتية، مثل الفخر والرضا. وتساءل الدكتور بول بيف، المؤلف الرئيس للدراسة قائلا “للدخل العالي فوائد كثيرة، بما في ذلك تحسين الصحة والرضا بالحياة، ولكن هل يرتبط مع المزيد من السعادة؟”. وأضاف بيف أن “الأفراد الأثرياء قد يجدون قدرا أكبر من الإيجابية في إنجازاتهم الفردية، كما يبدو أنهم يجدون السعادة في علاقاتهم وقدرتهم على التواصل مع الآخرين". والتدفق النقدي المحدود والضغط المفروض على عدد من الأشخاص يجعلانهم يحتاجون لتكوين روابط مع الآخرين للتعامل مع بيئة غير صحية قد تهدد بقاءهم. وخلصت الدراسة إلى أن الأفراد ذوي الدخل المنخفض قد ابتكروا طرقا للتغلب عليها، وإيجاد معنى للفرح والسعادة في حياتهم رغم ظروفهم الصعبة.
مشاركة :