بوتين.. رئيس تحديثي بعقلية السوفييت وسياسات الحرب الباردة

  • 3/18/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

موسكو – يستعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لكتابة فصل جديد من قصة روسيا في سياق يشبهه ويعكس شخصيته الجامدة الرتيبة، وعقليته السياسية المتناقضة، التي تتسم بالمغامرة العدوانية، ونظرته إلى النظام العالمي التي تقوم على قناعة أنه يتكون من “قطيع من أعداء روسيا”. والانتخابات الرئاسية التي أجريت بالأمس هي أهم انتخابات تجرى في روسيا على الإطلاق، إذ ستمثل شرعية الجولة الثانية من حرب باردة يتوق بوتين لخوض غمارها مع الغرب. وطوال 18 عاما مثل بوتين عامل أمان بالنسبة للمواطنين الروس، الذين يرون فيه “مخلصا” من الفوضى التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي في مطلع تسعينات القرن الماضي، وقائدا لنزعة جماهيرية تتذكر بألم هزيمة مريرة على يد الغرب. ويقول باحثون أوروبيون إن سياق صعود بوتين منطقي نظرا للبراغماتية الغريزية للروس في مرحلة ما بعد انهيار الشيوعية. وأضافوا “ماذا تنتظر من أمة تعرف أنها لا تمثل ندا للغرب في الاقتصاد أو القوة الناعمة أو التكنولوجيا، غير دعم الاستثمار في قوتها العسكرية والنووية؟”. والسؤال منطقي للغاية، إذ تمثل القوة العسكرية الروسية نقطة التوازن الوحيدة في القوى مع أوروبا والولايات المتحدة. وانعكست طريقة تفكير موسكو في خطاب ألقاه مطلع الشهر الجاري، وكشف فيه عن ترسانة أسلحة نووية “لا تقهر”. ويقول دبلوماسيون غربيون إن “الاستعراض النووي الروسي هدفه جذب انتباه الولايات المتحدة، التي يشعر المسؤولون الروس أنها تجاهلتهم طويلا”. وكل الأدلة تشير إلى أن ترسانة بوتين النووية كافية لردع أي قوة عن الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا لعقود قادمة. فيتالي شكيلياروف: بوتين يريد أن يأخذ الغرب روسيا على محمل الجد كقوة عظمى ويقول فيتالي شكيلياروف، الباحث الاستراتيجي والخبير في الشؤون الروسية، إن “وظيفة القاعدة النووية الروسية الكبرى تأجيل أحد الاحتمالين: إما أن تجبر روسيا على الانضمام إلى صفوف الناتو في المستقبل، وهو ما يعني تقليلا كبيرا في الإنفاق العسكري، وإما ينهار البلد”. وأضاف “الترسانة النووية المكلفة التي خلقتها روسيا السوفييتية ويحاول بوتين إعادتها إلى قوتها السابقة، تلتهم أموالا ضخمة، لكنها لا تشتري سوى الوقت”. وتسببت سياسة بوتين هذه في كسب ولاء الطبقة الأوليغاركية التقليدية، وشريحة كبيرة من المنتمين لمجتمع “كي جي بي” القديم، والمحافظين الروس، الذين مازالوا يرون العالم من منظور تآمر سوفييتي. ويعتمد بوتين بشكل أساسي في ترسيخ هذه النظرة على وسائل إعلام تابعة للحلقة المقربة منه، وعلى مجموعات من القراصنة وخبراء مواقع التواصل الذين يعملون على نشر الشائعات والأخبار الكاذبة بشكل مستمر. وتسببت هذه الترسانة الدعائية في إقناع قطاعات كبيرة من الروس بأن بوتين يقف في منتصف عملية إحباط محاولات الغرب خلق احتجاجات قد تتسبب في انهيار النظام، في تكرار لعمليات مشابهة استهدفت جمهوريات سوفييتية سابقة، كأوكرانيا وكيرغستان وجورجيا، بين عامي 2003 و2005. لكن في الوقت نفسه، مازال بوتين يطمح في داخله للحصول على اعتراف البيت الأبيض. ويقول محللون أميركيون إن “عقدة روسيا تجاه الولايات المتحدة مازالت بنفس قوتها السابقة”. وقال شكيلياروف “شعور بوتين تجاه الغرب يشبه نظرة نيكيتا خروتشوف بعد خطابه في الأمم المتحدة عام 1960، الذي هدد فيه الغرب بالحذاء. مثل خروتشوف، بوتين يريد أن يأخذ الغرب روسيا على محمل الجد كقوة عظمى، وهذا يتطلب أولا عدم رفع ورقة العقوبات المهينة في وجهها”. ولعبت الحرب السورية دورا محوريا عبر قيام بوتين بتوظيفها كورقة ضغط للحصول على هذا الاعتراف. وتمكن من خلال التدخل العسكري في سبتمبر 2015 لدعم نظام الرئيس بشار الأسد، من استعادة موطئ قدم متقدم لروسيا في الشرق الأوسط. ويؤمن بوتين، منذ أن كان رئيسا للاستخبارات الروسية “اف اس بي”، ورئيسا للوزراء في عهد بوريس يلتسين عام 1999، بأن سياسات الاتحاد السوفييتي، في إجبار الغرب على رؤية روسيا كقوة عظمى مكافئة عبر سباق التسلح النووي، كانت صحيحة، لكنها نفذت بشكل خاطئ. ويضع ذلك روسيا أمام خطر العودة إلى المواجهة في القرن الحادي والعشرين بسياسات تنتمي إلى حقبة الحرب الباردة. ولم تشكل نتيجة الانتخابات الرئاسية قلقا يذكر بالنسبة لبوتين، بقدر ما كان يبحث عن نسبة إقبال كبيرة تمنحه تفويضا حاسما لتبني رؤيته المثيرة للجدل. ويقول خبراء “الانتخابات بالنسبة لبوتين عقبة إجرائية عليه التخلص منها، ثم التفرغ لتطبيق استراتيجيته في تفكيك النظام العالمي، الذي يشعر أنه غير مستعد لاستيعاب روسيا أو القبول بها كطرف يحقق الثنائية القطبية مرة أخرى”. بوتين: الولاية الرابعة تتويج لربع قرن من العمل على بناء "روسيا الخارقة"

مشاركة :