القاعدة اليوم: فكر بن لادن وعنف البغدادي ومحاكاة نموذج حزب الله

  • 3/19/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

لندن – في الوقت الذي كانت فيه اهتمامات العالم وجهوده مركزة على القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، كان التنظيم الأم للحركات الجهادية يلم شتاته في هدوء ويراجع استراتيجياته ويتعلم من داعش كيف تمدد؟ ولماذا انهار؟ ما ينبئ بخطر ظهور حالة إرهابية أشد خطورة مما سبق، وهي عبارة عن “قاعدة” جديدة تجمع بين “دبلوماسية” أسامة بن لادن واستراتيجية أبي بكر البغدادي العسكرية، وتحاكي نموذج حزب الله بالسيطرة من خلف مشهد سياسي محدد. يقلل سيث جونس الباحث في مجلة فورين افيرز من القراءات التي تتحدث على تراجع تنظيم القاعدة، خصوصا بعد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية، ويشاطره التوجه الباحث توماس ماكابي، الذي يقول إن تنظيم القاعدة تعلم من أخطائه وهو بصدد التحول. ومثل هذا التحول، حتى لو كان تعديلا مؤقتا لا تحولا استراتيجيا دائما، قد يسمح للقاعدة بأن تندمج داخل حركات التمرد الحالية والاستيلاء عليها تدريجيا على أمل الظهور من جديد في شكل جديد للقاعدة في وقت لاحق. يقول جونس إن تنظيم القاعدة مازال شبكة مرنة متشابكة وسائلة تنتشر عبر مناطق عدة. أيمن الظواهري هو قائد التنظيم، يليه المدير العام عبدالرحمن المغربي، فأبومحسن المصري. وتمارس هذه القيادة الاسمية للتنظيم، فيما يبدو، شرعية ونفوذا على تنظيم ذي خمسة أفرع: جبهة النصرة في سوريا، والقاعدة في بلاد العرب في اليمن، والقاعدة في شبه القارة الهندية في جنوب آسيا، والشباب في الصومال، والقاعدة في المغرب الإسلامي وشمال أفريقيا، بالإضافة إلى ذلك، يحتفظ التنظيم بعلاقة نشطة مع جماعات في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا مثل أحرار الشام في سوريا، وطالبان وشبكة حقاني في أفغانستان وطالبان باكستان، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين في المغرب وغرب أفريقيا.   سجل تنظيم القاعدة في السنوات الأخيرة تراجعا مقابل صعود تنظيم الدولة الإسلامية، لكن اليوم مع الهزائم التي مني بها داعش في العراق وسوريا، يتوجس الخبراء من صعود جديد لتنظيم القاعدة، الذي يختلف اليوم عما كان عليه منذ عقد مضى. والخطر في هذا الصعود أن القاعدة الجديدة ستكون أقرب إلى خليط من الجماعات السلفية الجهادية الإسلامية، وبالتالي ستكون تهديدا أكبر، فيما ستكون الحرب ضد قاعدة متجددة وأكثر صعوبة. إلى جانب التمدد الجغرافي، يرى توماس ماكابي، أن تنظيم القاعدة يستمد استمراريته و”جماهريته” من مبدأ لم يمتلكه تنظيم داعش ولم يؤمن به، وهو مبدأ عدم استهداف السكان المحليين وقتل المسلمين، في العالم الغربي كما في العالم الإسلامي، مشيرا إلى أن تنظيم القاعدة، يمكن أن يصبح أكبر تهديد على المدى الطويل بعد أن نجا من حملة عالمية واسعة النطاق من أجل تدميره وعدل من استراتيجيته لتعكس الدروس المستفادة من أخطاء الماضي. يطرح توماس ماكابي، في دراسته، حول مسألة إلى أي مدى يمكن لتنظيم القاعدة أن يتعلم من أخطائه، قضية شديدة الخطورة في تحليله لفكرة إعادة هيكلة تنظيم القاعدة، وتسييس الجهاد مع ظهور جيل جديد من القاعديين، لم يعاصر كثيرا أسامة بن لادن، وهو جيل ولئن آمن بأفكار بن لادن وتتلمذ على أيدي أيمن الظواهري، إلا أنه يتمتع أيضا بخصال مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، الذي هو في الأصل مجموعة من القاعديين المنشقين؛ وفي “هيئة تحرير الشام”، الذراع الرئيسية للقاعدة في سوريا، والتي تقاتل في الحرب ضد نظام الأسد، أبرز مثال على التغييرات الطارئة على تنظيم القاعدة. أخطاء الجهاديين تسببت ممارسات تنظيم القاعدة والجماعات الجهادية الأخرى في قتل وتشويه أي صور ترحيب حصلت عليه هذه الجماعات في بداية نشأتها. تمثلت هذه الممارسات بشكل رئيسي في العداء للمصالح والممارسات القبلية، والعداء للممارسات المحلية للدين الإسلامي. ومن المفارقات أن تنظيم القاعدة، الذي كان يقوده في الأصل رجل ينتمي إلى إحدى القبائل السعودية، كان غالبا ما يتجاهل العامل القبلي بل ويعاديه. ولعل من أحد أهم الأسباب التي ساعدت على تحول موقف القبائل السنية العراقية في نهاية المطاف ضد تنظيم القاعدة، هو مهاجمة التنظيم واستهدافه المصالح القبلية والقيادة وشرف القبائل. وقد تكون نقطة التحول قد حدثت عندما اختطف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، إحدى أذرع تنظيم القاعدة، بنات شيخ بالقوة ليصبحن زوجات لمقاتلي التنظيم. وفي حين أن الدين الإسلامي معروف بتنوعه في ظل وجود العديد من التفسيرات للخطاب الديني، إلا أن الجهاديين يمارسون الشكل المتعصب والمتزمت من الإسلام السني. في الماضي، حاول تنظيم القاعدة، وغيره من الحركات الجهادية، إجبار المسلمين المحليين على السير وفق نهجه المتشدد. وخلال الحرب الأهلية التي اندلعت في الجزائر في تسعينات القرن الماضي، قامت الجماعات الجهادية بممارسة سلوكياتها المتطرفة عن طريق قتل أشخاص اعتبرتهم غير مسلمين لارتكابهم أخطاء مثل عدم ارتداء الزي الإسلامي المناسب أو مثلا التحدث بالفرنسية. ومع مرور الوقت، اضطر الشعب الجزائري إلى النهوض لدعم الحكومة الجزائرية ضد التنظيم، ما أدى إلى تخلي التنظيم في بلاد المغرب الإسلامي إلى حد كبير عن تحقيق طموحاته ونقل عملياته إلى الجنوب. وفي البلقان، تأثر المسلمون المحليون تأثرا كبيرا بالموروثات التاريخية التي خلفتها الإمبراطورية العثمانية، والتي تسامحت بشكل عام مع الممارسات الدينية المختلفة، كما تأثروا أيضا بالعقود التي عاشوها في ظل القمع الشيوعي. وتأثرت النسخة المحلية من الإسلام بشكل كبير بممارسات الصوفيين. لكن، تنظيم القاعدة اعتبر مثل هذه الممارسات غير إسلامية، وحاول تشجيع السكان المحليين على اتباع النهج الإسلامي “الصحيح” وفرض وجهة نظرهم من خلال تدمير المساجد المزخرفة الموروثة من العثمانيين. ونتيجة لذلك، فقد التنظيم أي ترحيب كان قد حصل عليه في البلقان. توماس ماك كابي: القاعدة قد تتمكن من الهيمنة على الدولة مثل  حزب الله في لبنان وعلى الرغم من حالة التدين والتسامح الديني التي سيطرت على أفغانستان، حاولت حركة طالبان وحلفاؤها من تنظيم القاعدة فرض ممارساتهم الدينية على السكان الذين ظلوا يقاومونهم واعتبروهم في نهاية الأمر جماعة متعصبة احتلت بلادهم. ويرجع جزء كبير من الدعم الذي تلقته حركة طالبان إلى فشل الحكومة الأفغانية في توفير إدارة فعالة. وعلى الجانب الباكستاني، قضت حركة طالبان على العديد من الممارسات الدينية المتسامحة لدى معظم المسلمين الباكستانيين. وفي عراق ما بعد صدام حسين، انقلب العرب السنة، الذين رحب الكثير منهم في البداية بتنظيم القاعدة لدعمهم ضد الولايات المتحدة والحكومة الشيعية والأكراد، ضد التنظيم بعدما اكتشفوا محاولة فرض الأخير لأيديولوجيته الدينية. ومن بين الممارسات التي منعها التنظيم كانت التدخين وبيع الرجال لملابس النساء. ثم جاء تنظيم داعش ليفاقم المشكلة بطريقة حكمه الأكثر عنفا التي اتبعها أينما حكم. فهو يعتبر حتى ممارسات تنظيم القاعدة، وخاصة رفض قتل المسلمين الشيعة على الفور، خيانة للدين الإسلامي. وكان حظر التدخين أيضا من أحد القوانين التي فرضها تنظيم داعش. وقامت الجماعات الجهادية بالقتل المتعمد للكثير من الضحايا الأبرياء. وكان هذا هو الحال بشكل خاص في الجزائر والعراق حيث نجح تنظيم الدولة الإسلامية في العراق بشكل جزئي في إثارة حرب دينية بين المسلمين الشيعة والسنة. وقُتل العديد من الضحايا ببساطة لأنهم لم يكونوا “مسلمين على حق”، أو بالصدفة بسبب تواجدهم في المكان الخطأ في الوقت الخطأ. وزاد تنظيم داعش من سوء ممارساته هذه بإعلانه من لا يتبع أيديولوجية التنظيم مرتدا ومن ثم أجاز ذلك لهم استهداف العديد من الأبرياء. تعديلات استراتيجية خلال العقد الماضي، بدا أن تنظيم القاعدة عدل تدريجيا من استراتيجيته وتكتيكاته، لا سيما أن مختلف أذرع التنظيم سعت إلى التعاون وبناء تحالفات مع الجماعات المتمردة الإسلامية، أو حتى غير الإسلامية. وكان هذا هو الحال في أفغانستان وباكستان والصومال واليمن وسوريا وجنوب آسيا. وكجزء من هذه الاستراتيجية، أعطى التنظيم الأولوية بشكل انتقائي لتنفيذ العمليات المحلية بدلا من الدولية من أجل الاستعانة بأوجه محلية لتنفيذ مخططاته، ولا سيما في مالي، حيث القوات التي انضمت إلى جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” كانت جميعها من قادة تنظيم القاعدة أو فروعه. وبدلا من محاولة فرض أيديولوجيته الإسلامية الخاصة بشكل فوري، سعى تنظيم القاعدة إلى القيام بذلك تدريجيا، من خلال متابعة الأمور من خلف الكواليس وتكوين قاعدة من الدعم وبناء حركة جماهيرية في نهاية المطاف. من خلال القيام بذلك، أصبح التنظيم أكثر انتقائية وأقل عشوائية في تنفيذ الهجمات الإرهابية. وفي بعض الأحيان، استغل انهيار هياكل الحكومات المحلية، وحاول إنشاء مؤسسات حاكمة وجهات إنفاذ لنظامه، وخاصة في أجزاء من اليمن والصومال وسوريا. أما في سوريا، فقد فرضت حركة “هيئة تحرير الشام” سيطرتها على المحاكم وجهات إنفاذ القانون، وتركت المهام الإدارية الأخرى لجماعات أخرى. ولهذه الأسباب، مقارنة بداعش، اتخذ تنظيم القاعدة نهجا متطرفا “معتدلا”، لا سيما في سوريا. ساعدت كل هذه العوامل على إعادة تشكيل تنظيم القاعدة ليبدو أكثر محلية في مختلف الأماكن التي يعمل بها، وقللت إلى حد كبير من أسباب خسارته السابقة للدعم الشعبي. ويمكن لهذه التعديلات أن تعطي تنظيم القاعدة ضمانا جديدا لاستمراره وأن تزيد أيضا من تهديداته التي تستهدف دول الغرب وبقية العالم. ومن شأن إدخال القاعدة لتحوير في تكتيكاتها لتركز على الجهاد “الدفاعي” وتقلل من قتل المدنيين المسلمين أن يجعل هذا التنظيم مستساغا أكثر لدى هؤلاء الناس. قاعدة أشد خطورة يشير توماس ماكبي إلى أن التعديلات الحديثة التي أدخلها تنظيم القاعدة تجعله أشد خطورة، وربما أكثر نجاحا، خاصة إذا استمر في التأقلم واستغلال الأوضاع في المنطقة والعالم الإسلامي من أجل استعادة المساندة. ويمكن لهذا أن يحدث لأسباب ثلاثة على الأقل. * معالجة الانقسامات نسبيا داخل الجهاد العالمي: في الوقت الحاضر الجهاد العالمي منقسم إلى ثلاثة اتجاهات كبرى: * الاتجاه الأول هو داعش، وهو نزعة الجهادية الأشد تطرفا في تأويلها للإسلام إلى درجة أنها تعتبر كل المسلمين المخالفين لها في العالم تقريبا كفارا وبالتالي يستحقون القتل. إضافة إلى ذلك يريد داعش إعادة دولة الخلافة في أسرع وقت ممكن. وكانت هذه النقطة محل الخلاف الرئيسية مع القاعدة. * الاتجاه الثاني يتمثل في ما يمكن تسميته بالجهاد العالمي مثل القاعدة التي تفضل “الجهاد الهجومي” أو مهاجمة “العدو البعيد” فورا، ويقصد بذلك الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، حيث يقول بن لادن في إحدى الرسائل المنسوبة إليه وتم الكشف عنها بعد عملية مقتله في عملية أبوت أبادا “أعداء الأمة اليوم مثل شجرة شريرة.. جذع هذه الشجرة هو الولايات المتحدة”. * الاتجاه الثالث يمكن تسميته بالجهادية الوطنية مثلما هو الحال في ما يجري في سوريا، ويزعم هذا الاتجاه أنه يحاول تطبيق الشريعة في دولته فقط. ويلاحظ أن التغييرات الأخيرة في استراتيجية القاعدة وتكتيكاتها تدفعها بشكل كبير في اتجاه الجهاديين الوطنيين، وهو ما يزيد في إمكانية حصولها على دعمهم. وتبرز هيئة تحرير الشام كمثال يوضح هذا الاتجاه. ويتحدث عن ذلك بروس هوفمان، الخبير الأميركي في شؤون الإرهاب ومدير مركز الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون، مشيرا إلى أن “قوة القاعدة تحوّلت لتنحصر بين شخصيتين رئيسيتين: أبي محمد الجولاني الذي يقود فرع التنظيم في سوريا، وسيف العدل وهو من الجيل الأول”. تنظيم القاعدة، يمكن أن يصبح أكبر تهديد على المدى الطويل بعد أن نجا من حملة عالمية من أجل تدميره وعدل من استراتيجيته لتعكس الدروس المستفادة من أخطاء الماضي و“يعمل كلّ من العدل والجولاني معا من أجل تكريس حضور دائم للقاعدة في سوريا. في خضم محاولة القاعدة العودة إلى واجهة التيار الجهادي العالمي”. وفي السابع والعشرين من شهر فبراير الماضي صدر بيان تحت عنوان “أنقذوا فسطاط المسلمين” يدعو الفصائل المسلحة  إلى نصرة الغوطة الشرقية في سوريا ونبذ الخلافات. وذيل البيان باسم “تنظيم حراس الدين”، وهو تنظيم جديد يقوده القاعدي أبو همام الشامي، وهو مثال آخر على استراتجية الاعتماد على الجهاد المحلي. الآثار المترتبة يخلص توماس ماكابي إلى أنه في حال مضى تنظيم القاعدة قدما في مسار تعديل استراتيجيته سيكون ذلك تطورا ضخما، إذ أن التنظيم الجهادي الذي يستعمل هذه الاستراتيجية وهذه التكتيكات من المرجح أن يكون أنجح. كما أن تغييرات كهذه يمكن أن تقلص الخلافات مع الجهاديين الآخرين وخاصة مع ما يسمى الجهاديين “الوطنيين” الذين يدعون بأنهم يريدون الحكم الديني الإسلامي في دولهم المتفرقة. ويمكن لهذه التغييرات أن تحسن الخلاف بين الجهاديين وبقية جماعات الإسلام الأصولي التي على الرغم من خلافاتها الفقهية مع الجهاديين يمكن أن تدعي بأنهم معا يقاومون الأعداء المشتركين للعالم الإسلامي، وستكون للجماعات الجديدة حظوظ أوفر بكثير في الحصول على دعم المرجعيات الدينية الإسلامية بما أن النتيجة يمكن أن تقدم على أنها “جهاد دفاعي”. ويبقى الخطر النهائي في أن مثل هذا التنظيم قد يصير حركة تتمكن من الهيمنة على الدولة مثلما هو الحال بالنسبة إلى حزب الله في لبنان. وستستفيد هذه التغييرات أيضا من المخزون العميق للعداء الشعبي تجاه الولايات المتحدة والغرب وما سببته سياستهما لمنطقة الشرق الأوسط.

مشاركة :