القاهرة- منذ 22 مارس 1928 تتردد سيرة جماعة الإخوان المسلمين، التي بلغت التسعين عاما، في قصور الحكام وأقبية السجون وساحات العملين الخيري والديني، في مقابل واقع حالي يرى مراقبون أنه يتجرّع صراعات داخلية وضربات خارجية. في مصر، التي شهدت تأسيس الجماعة، يبدو ذلك الوضع جليا، لا سيما منذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، المنتمي إلى الإخوان في 3 يوليو 2013، وهو ما جعل الحديث عن اقتراب نهاية الجماعة محل إجماع الكثير من الأنظمة العربية ومثار جدل بين باحثين ومحللين رغم ما تتعرض له الجماعة التسعينية حاليا من ضربات أمنية متتالية ودعاوى قضائية تتهمها بارتكاب الكثير من أعمال العنف والإرهاب. فريق من الباحثين، بينهم خبير في شؤون الحركات الإسلامية، يرون أن الإخوان كأي تنظيم بشري، استكمل دورة حياته، ويسير في مرحلة النهاية بالفعل، إثر أخطاء استراتيجية وأهداف لم تتحقق. ثمة من يرى أن تنظيم الإخوان المسلمين، الذي يحيي قادته وأنصاره هذه الأيام الذكرى التسعين لتأسيسه، يعيش أرذل العمر وأسوأ أيامه وهو في طريقه إلى الانفراط وفق منطق الزمن والتاريخ وبحكم مجموعة من الأخطاء والورطات الاجتماعية والسياسية والتنظيرية التي انزلق نحوها، وثمة من يصرّ على استمراره مع قيادييه لكن مع ضرورة تقديم بعض النقد الذاتي، فيما يدعو شباب الإخوان إلى نوع من التأسيس الثالث للجماعة ينطلق من ضرورة التغيير الشامل لقيادات وهياكل الجماعة التنظيمية والإدارية، لكن المتأمل في المشهد العام والقارئ للسياسات الدولية يرجّح قناعة مفادها أن هذا التنظيم في طريقه إلى الزوال. أما الفريق الثاني، وعلى رأسه أحد المعنيين بتاريخ الإخوان، فيرفض الرؤية السابقة، ويعتبر أنه لا يجب التقيّد بالانحصار في الطرح الديني القائل بأنه مع كل 100 عام يأتي مجدد، مشددا على أن الجماعة في حالة انحسار ظرفي مؤقت. وعادة ما كانت تستدعي أدبيات جماعة الإخوان سياقات دينية مفادها أن كل 100 عام يأتي قائد مجدد، وكانت عادة ما تصف مؤسسها الأول حسن البنا (أكتوبر 1906- فبراير 1949) بأنه مجدد القرن العشرين. مراجعات بطعم التراجع مستقبل الإخوان يقرأه المتحدث باسم الجماعة، طلعت فهمي، بقوله إن “الجماعة ليست في طريق النهاية، بل تسير في الدرب الذي انتهجته منذ تسعين عاما، وحققت فيه الكثير من أهدافها، ولا تزال تواصل المسير، في حين أن الكثير من الكيانات والجماعات كان مآلها الاندثار”. ويشدد على أن “المراجعات داخل الجماعة لم تتوقف يوما، ولا بد أن يدرك الجميع أن هناك فرقا كبيرا بين المرونة في المراجعة ومواجهة الواقع وبين التراجع والانزلاق اللذين يؤديان إلى تجاوز الثوابت والانهزام أمام الواقع، فنحن أصحاب دعوة”. وينفى فهمي اتهامات وانتقادات وجهت للجماعة بأنها بلا أفق ولم تحقق من أهدافها شيئا، قائلا إن “كانت المراجعات واتساع الأفق في نظر البعض تعني التسليم بالأمر الواقع والانهزام، فلا شأن لنا بهذا الكلام، ولا نقبله”. ويتابع “الإخوان المسلمون جماعة راسخة، وستظل ماضية في طريقها دون تردد أو تراجع، وأتصور أن كل المراكز البحثية على مستوي العالم، التي تراقب وترصد وتحلل نشاط الجماعة، خير شاهد على استمراريتها”. سياسات تجاهلت الواقع “الحركات الاجتماعية والسياسية لها عمر”، وفق المحلل المصري، أحمد بان، الذي يرى أن “جماعة الإخوان بعد تسعة عقود استكملت أطوار حياتها، وتمضي في سنواتها الأخيرة بالقصور الذاتي، بعد ارتكابها العديد من الأخطاء الاستراتيجية القاتلة منذ النشأة”. ويذهب بان، إلى أن هذه الأخطاء تشمل “عدم تحديد الأفق المناسب لحركة الجماعة منذ البداية، حيث طرحت نفسها ككيان شمولي يتحرك في كل المساحات، ويمارس كل الأدوار، وفي النهاية فشلت في أن تحدث أثرا أو اختراقا في هذه المساحات أو الأدوار”. ويضرب مثلا على رؤيته بقوله “تحدثت جماعة الإخوان المسلمين عن تحرير الوطن من كل سلطان أجنبي، بينما وجودها مدد وجود السلطان الأجنبي، ومدت هي جذورا مع هذا الأجنبي، واحتفظت بعلاقات وطيدة مع القوى الغربية أو الاستعمارية، كالولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، ولا تزال تخطب ود هذين الدولتين في إعادتها إلى المشهد السياسي”. ويعتبر أن “الجماعة حددت لنفسها أهدافا تخاصم الواقع وتجافيه، وبعد كل هذه السنوات لم تتقدم في الأهداف التي رسمتها لنفسها”. ويتابع “مثلا تحدثت الجماعة عن تحقيق الدولة والمجتمع، لكنها خالفت قناعاتها ومقولاتها التأسيسية مرارا، سواء سياسيا أو اقتصاديا، في انحيازها إلى الرأسمالية والنيوليبرالية، مع أن أفكار حسن البنا، المؤسس كانت تجنح للتوجه أقرب إلى الاشتراكية أو العدالة الاجتماعية أو وجود دور للدولة”. النموذج السوداني المتعثر الخرطوم- شهدت العاصمة السودانية الخرطوم، الأحد الماضي، ندوة انعقدت بعنوان “الحركة الإسلامية بين وحدة الصف والدعوة إلى الحل”. واعتبر قياديان إسلاميان في هذه الندوة وهما من حزبين مشاركين في الحكومة السودانية أن “الحركة الإسلامية” في البلاد تواجه صعوبات داخلية وخارجية تهدد بقاءها. وتعتبر “الحركة الإسلامية” المرجعية الفكرية لحزب “المؤتمر الوطني” الحاكم في السودان، ويترأس الرئيس السوداني عمر البشير الهيئة القيادية العليا للحركة، في حين يتولى نائبه بكري حسن صالح، منصب نائب الأمين العام. وخلال الندوة، نقلت وكالات أنباء عن عضو البرلمان السوداني، نائب رئيس حركة “الإصلاح الآن” (حركة إسلامية مشاركة في الحكم)، حسن عثمان رزق، قوله “هناك جهات خارجية (لم يذكرها) لا يروقها وجود الحركة الإسلامية”. وأضاف أن الحركة الإسلامية تواجه تحديات داخلية متمثلة في محاولة بعض المتنفذين الفاسدين (لم يسمهم) إضعافها. ورأى رزق أن الحركة الإسلامية “ضعيفة ولا تقدر على توجيه سياسات الحكومة نحو المشروع الإسلامي”. ومضى قائلا “هؤلاء (لم يسمهم) يحاولون أن يحصروا نشاط الحركة الإسلامية في المساجد فقط”، مستبعدا “خيار حلها في الوقت الحالي”. بينما قال عضو المكتب السياسي لحزب “المؤتمر الشعبي” المشارك في الحكومة أبوبكر عبدالرزاق إن “وصول تنظيمات إسلامية إلى الحكم عقب ثورات الربيع العربي في 2011 دفع القيادات السودانية بالحركة للعمل على تقويتها”. قبل أن يضيف بالقول “لكن المتغيرات الدولية التي تلت ذلك وظهور ما يعرف بدول الاعتدال العربي والضغوط الدولية (دون تحديد) جعلت من الحركة عبئا ثقيلا على الحكومة السودانية”. وتوقع عبدالرازق “زوال الحركة الإسلامية بشكلها الحالي، لكن الإسلام الحركي لن يتوقف وستتشكل حركة أخرى”. وقبل رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية عن الخرطوم، في أكتوبر الماضي، راج حديث عن اتجاه الحكومة لحل الحركة الإسلامية التي تعتبر المرجعية الفكرية لحزب “المؤتمر الوطني” الحاكم في السودان. وفي سبتمبر الماضي، أبدى علي الحاج محمد، الأمين العام لحزب “المؤتمر الشعبي”، التي أسسها حسن الترابي، مخاوفه من احتمال دفع الحركة الإسلامية لـ”ثمن ما” مقابل رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية عن الخرطوم، لكن الرئيس البشير، كثيرا ما كان يردد بأن “المشروع الإسلامي في البلاد ناجح”. ويعرب عن دهشته من تجاوز الجماعة ما يحدث لها دون أي لحظة مراجعة قائلا “هي الآن محشورة في الزاوية، ولا تعلم الخطوة القادمة.. تعاني من غياب حقيقي لقيادة مؤهلة لإخراجها من هذا الوحل أو الأزمة، وللجماعة يد في ما وصلت إليه”. ويشدد على أنه ما لم تخرج الجماعة من “حالة المظلومية، وتنتقد نفسها، وتعيد تقييم هذه العقود، فأعتقد أنها تعيش مرحلة النهاية بالفعل”، معتبرا أنه “لا أفق لديها، وهي غير مؤهلة للعودة”. ويختلف المحلل بان، مع رؤية البعض المتمثلة في أن الجماعة تمثل التيار الأقدر على العودة في ظل واقع عربي سياسي ضعيف يبدو فيه تنظيم الإخوان الأكثر جاهزية لأي عودة محتملة. ويرجع اختلافه إلى أن الجماعة “فشلت في اختبار السلطة بمصر، على مدار عام، بعدم المرونة الكافية لمواجهة التعقيدات المحلية والإقليمية والدولية”. كما “فشلت جماعة الإخوان المسلمين بصورة واضحة في مشهد المعارضة لسنوات طويلة، وظلت تردد مقولات عودة الجماعة والشرعية وغيرهما من المفردات، لكنها في حقيقة الأمر لم تكن تملك أي تصور للحل، وتواجه الموقف ببنية تنظيمية مهلهلة وخلافات فكرية عميقة حول جدوى المشروع وصلاحيته وقدرته على تغيير الواقع”، وفق المحلل المصري أحمد بان. ويرى أن “الحديث عن عودة تنظيم منقسم فكريا وغير قادر على قراءة الواقع أو إدارته ينبئ، حتى لو عاد، بأنه لن يبقى على القوة السابقة نفسها، وربما يظل باهتا كحركات إسلامية سابقة، دون أن يحصل على نتائج ويحقق أثرا”. مكابرات لا طائل من ورائها على العكس قليلا، يرى الباحث في شؤون الحركات الإسلامية عمار فايد أن “الحديث عن نهاية الجماعة غير مبرر، ويعود إلى تأثر البعض بحالة الهزيمة الكبيرة التي تعرضت لها الجماعة ورؤيتها غير القادرة على تجاوز الضربات والخلاف الداخلي، وجدلية الثورة والإصلاح والتغيير التدريجي، ما جعلهم يرون أن دور الجماعة انتهى، وأنه مطلوب كيان جديد، وأن الجماعة أخفقت خلال تسعين سنة في تحقيق مشروعها”. ويزعم فايد أنه “من المبكر القول إن جماعة بحجم الإخوان انتهت” مبررا ذلك بأنه ” وعلى الرغم من الضربات التي أوقفت الآلاف من أفرادها إلا أن التنظيم لا يزال موجودا، وإن كان لا يعمل بشكل طبيعي، لا سيما في شريحة الشباب، لكنه موجود، ومن المفيد في وجوده وإصلاحه”. ويستطرد قائلا “مسألة كل 100 عام يأتي مجدد ليست من أدبيات الجماعة، ولكن في التراث، وهذا لا يعني بالضرورة أن كل 100 عام ينتهي كل شيء، ونبدأ من الصفر”. ويتابع فايد “توجد دول استمرت قرونا عديدة وأحدثت إصلاحا شاملا من داخل الدولة، وليس هناك ما يمنع من استمرار حركة قرنا أو قرنين أو ثلاثة، المهم هو القدرة على التطوير والتعاطي مع المستجدات والاستجابة للتحديات بطريقة ذكية ومدروسة وديناميكية”. ويرى أن تنظيم الإخوان رغم تأثره في مصر، إلا أنه موجود في أغلب الدول، مستدركا “لكن ليس هناك وعدا إلهيا ببقاء الإخوان إلى قيام الساعة، فهناك فرق بين أننا مقتنعون بأن تنظيم الإخوان ليس خالدا وبين أن نصدر حكما بأنه انتهى”. ويشدد فايد على أن “الجماعة لم تنته بعد، وهي تستمد ذلك من دورها الرئيسي في المجتمع، فإذا قامت بواجبها فهي موجودة، ويقرر هذا أعضاء الجماعة أنفسهم.. هل هم قادرون على إصلاح الجماعة أم سيتخلون عن هذه المهمة ويكتبون شهادة الوفاة”. ويرى أن الإخوان هو تقريبا “التيار الرئيسي المنظم القادر على التأثير، ولا مؤشر على فقدانه لدوره، وإن توقف حاليا وانحسر”. ويضيف أنه “لا أحد لديه تخيل لشكل معالم نهاية الجماعة، لكن النهاية تعني عدم الفاعلية، حتى لو بقيت الجماعة وعضويتها، فهي إن لم تقم بدورها فقد انتهت”. ويعود عمار فايد ليشدد على أن “جماعة الإخوان المسلمين لم تذهب تماما مقارنة بعهد الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر (يونيو 1956- سبتمبر 1970)، الذي كان سؤال النهاية في عهده أكثر واقعية، أما الآن فهناك تنظيم وتواصل بين الأعضاء تعيقه القيود الأمنية والحالة السياسية والخلاف الداخلي”. ويرى الباحث المصري المتخصص في الحركات الإسلامية عمار فايد أن استمرار جماعة الإخوان المسلمين في مصر أو غيرها من البلدان الإسلامية يواجه تحديات، أبرزها انحسار عملها داخل المجالين الطلابي والشبابي، وهذا هو وقود استمرار أي حركة أو توقفها، بخلاف تحدي الحاجة إلى إنتاج فكري وسياسي جديد وتجاوز الخلاف والانقسام وتوحيد الصف وإجراء إصلاحات تنظيمية برؤى واضحة. ومنذ نشأتها عاشت جماعة الإخوان في صراع شبه دائم مع السلطة، تخللته مهادنات ذات عمر قصير، وكان أشد هذه الفترات خلال أحكام الإعدام والسجن في عهد عبدالناصر، وحينها فر بعض قيادات الجماعة إلى الخارج. واستطاع نظام الرئيس الراحل أنور السادات (من سبتمبر 1970 إلى أكتوبر 1981)، استيعاب الجماعة، وأعادها إلى الحياة العامة عبر قرارات بالعفو ظهرت في عام 1971. واستمرت الجماعة تحت سقف منخفض في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك (1981-2011) وسط محاكمات عسكرية، ثم ظهرت بقوة عقب ثورة يناير 2011، التي أطاحت بمبارك وعادت إلى الخفوت بعد الإطاحة بمرسي، عام 2013، بعد عام واحد من فترته الرئاسية. وفيما تنتقد بلدان عربية، كما في مصر والسعودية والإمارات، جماعة الإخوان، وتعتبرها جماعة إرهابية، تشارك حركات وشخصيات محسوبة على التنظيم في الحكم أو المعارضة في العديد من الدول مثل السودان. ووفقا لإحصائيات شبه رسمية، يصفها البعض بالمبالغ فيها، فإن جماعة تنظيم الإخوان المسلمين العالمي لها حضور في 52 دولة عربية وأوروبية وآسيوية وأفريقية، وفي دول أميركا الشمالية والجنوبية وأستراليا، عبر نشاطات دعائية إعلامية وأعمال داخل جمعيات تقدم نفسها على أنها خيرية أو هياكل تنظيمية لمؤسسات أو أحزاب أو جماعات.
مشاركة :