أنا الغريق فما خوفي من البلل»، قالها المتنبي قبل أكثر من قرن وكأنه يصف الحال اليوم بعد ما مر علينا خلال الأسابيع الماضية من أخبار تكدر صفو أي بحريني، سواء أكان متابعا للرياضة أو كان غير متابع لها، فنتائج الفئات السنية لمنتخبات كرة القدم تعد نتائج مأساوية بالدرجة الأولى، كون الهزائم التي تلقتها هذه المنتخبات في كل مباراة تخوضها فاقت الهزيمة بعشرة الأهداف، أي بما معناه أن بعض اللاعبين لن يستطيعوا حصر النتيجة في أصابع يديهم الاثنتين، والأمر الأكثر مأساوية أن تمر مثل هذه الأمور مرور الكرام على الغالبية الرياضية عدا ما ندر من المتابعين الذين حركتهم الغيرة لانتقاد الوضع ورفض مثل هذه الهزائم المدمرة للجيل القادم، قبل أن نغرق ولا نعير البلل أي اهتمام!! اليوم أنا سأتحدث عن وضع مهلهل رث يصعب إصلاحه مستقبلا إن استمر الحال على ما هو عليه لفترة أطول، وحديثي اليوم لا علاقة له بالأمور الفنية التي ليست من اختصاصي أساسا، لكني سأتحدث من منطق علم النفس كوني أرنو إلى العامل النفسي لجيل جديد من المفترض أن يمثل كرة القدم البحرينية وهو ممتلئ بروح المنافسة لا أطالب بكلامي أن تحرز منتخباتنا في الفئات السنية كل بطولة تشارك فيها، ولا أشترط أن تكون على منصة التتويج في كل مشاركة، لكني أطالب بأن تكون منتخباتنا ندا قويا يقارع أعتى المنتخبات، فنحن من المفترض أن نعامل هذه الفئات على أنها مرحلة إعداد جيل يرفض الهزيمة، سيكون الجيش المحارب في المستطيل الأخضر في بطولات الكبار، لا جيل تشرب الهزيمة حتى تعوّد عليها، فتكرار مثل هذه النتائج السلبية سيؤدي إلى ردود أفعال مماثلة في السلبية، إذ يساعد تكرار مثل هذه النتائج في التأثير على العقل الباطن لدى اللاعب الصغير من أجل أن يؤدي إلى ردة فعل سلبية في اللاشعور الداخلي، حتى تصبح الهزيمة أمرا اعتياديا بالنسبة إليه من صلب حياته الرياضية، ويترسخ بداخله أن الهزيمة أمر أسهل من الفوز والفوز هو الأمر الغريب بالنسبة إليه، فإن فاز فهذا محض صدفة، وإن هزم فهذا الأمر الطبيعي بالنسبة إليه، «فمن شب على شيء شاب عليه»، فتكرار مثل هذه النتائج السلبية يخلق لنا جيلا اعتاد عليها وترسخت في أذهانه ثقافة الهزيمة على أنها أمر طبيعي، ويبتعد تفكيره عن ثقافة الفوز والبطولة، حتى يصبح مستقبله ومصيره الفشل لا محالة. هجمة مرتدة لا ألقي اللوم كاملاً على اتحاد كرة القدم في هذه النتائج الكارثية، فالأندية هي الجهة الملامة أولاً وآخرًا، فالمنتخب ليس سوى مخرجات الأندية، وما نراه اليوم من نتائج كبيرة ليست سوى انعكاس تام لواقع كرتنا في منافسات الفئات التي تعتمد معظمها على المدربين من أصحاب الخبرة القليلة، وبمعنى أدق تعتمد على من يقبل بالراتب القليل ويصبر سنوات كي يحصل على راتب في تدريب فئاتها السنية، بعكس ما نراه في الدول المتقدمة رياضيًا التي تعيّن أفضل الخبرات وأكثرها تمرّسًا لتدريب الفئات التي هي النواة المستقبلية للرياضة.
مشاركة :