المتلوي (تونس) - “إمّا المنجم وإمّا الهجرة وإمّا الموت” شعار يتبناه المئات من الشباب العاطلين عن العمل الذين ينصبون خيامهم في مواقع استخراج الفوسفات بمحافظة قفصة جنوب غرب تونس، والتي تدرّ على البلاد عائدات مالية أساسية. وتتكرر دوامة الاحتجاجات الاجتماعية في الحوض المنجمي وكان آخرها في شهر يناير الماضي إثر الإعلان عن نتائج مناظرة توظيف لشركة فوسفات قفصة الحكومية. ووقعت المواجهات الأخيرة بعد تحرك قام به المرفوضون في مناظرة التوظيف، وكبر التحرك ككرة الثلج في منطقة تسجل أعلى نسب البطالة (نسبة البطالة في البلاد تتجاوز 15 بالمئة)، حيث تحتل محافظة قفصة المرتبة الأولى بنسبة أكثر من 26 بالمئة، وتعاني من نقص فادح في البنية التحتية. ويعتصم العشرات من النساء ونحو خمسين شابا من أبناء عمال المناجم في بيوت جاهزة استقرت وسط كثبان الفوسفات الخام الرمادي اللون، مطوقين بالشاحنات الثقيلة التي أوقفوها عن العمل منذ ستة أسابيع. يقول علي بن مصالح (25 عاما) العاطل عن العمل منذ أن أنهى المرحلة الثانوية، بمرارة، “شركة فوسفات قفصة فقط تنشط هنا، ليس لنا تنمية ولا فرص عمل ولا وسائل ترفيه”. ويتابع “بالنسبة لنا، الحل يكمن في الهجرة أو الموت أو السجن”. سبب تعطيل إنتاج الفوسفات يعود إلى قلة الثقة بين المواطنين والحكومة، كما أن المحتجين كما الحكومة منقسمون. وتقف إلى جانبه سعاد (60 عاما) التي تتحدث بنبرة غاضبة عن أبنائها الخمسة الذين لا يعملون في شركة الفوسفات، متهمة رجال الأعمال والنقابيين بمنح الأولوية لأقاربهم في التوظيف، علما أن زوجها ووالدها كانا من عمال المناجم. لكن من الواضح أن فرص العمل محدودة جدا في المنطقة. وتوضح أن ابنها البكر يعمل في مخبزة براتب شهري يقدر بـ300 دينار (نحو 100 يورو)، ما يمثل ثلث معدل الراتب الخام في المنجم. ومنطقة المتلوي من بين المناطق المنجمية في محافظة قفصة وهي تضمّ المواقع الأساسية لاستخراج الفوسفات في تونس، وتساهم بمنتجها في الترتيب الرابع لتونس عالميا. وكانت هذه المنطقة تلقب سابقا بـ”باريس الصغرى” لكونها تحتوي على قاعة سينما ومسبح وملاعب تنس. لكن الوضع تغير اليوم؛ شباب المنطقة العاطلون عن العمل يتسكعون في الطرق، ويعاني السكان من تلوث المياه الظاهرة آثاره على أسنانهم. ومثلت شركة فوسفات قفصة الحكومية والمحتكرة للإنتاج منذ زمن، بديلا عن الدولة في هذه المنطقة. وعرف الحوض المنجمي بقفصة مراحل متتالية من الاحتجاجات الاجتماعية وخصوصا في 2008، عندما اندلعت اضطرابات اجتماعية واجهها نظام بن علي بشدة. ولم يفلح سقوطه في معالجة المشكلة.ويبدي الكاتب العام للشركة علي الخميلي قلقه من الوضع، ويقول “منذ الثورة، لم نعد نستطيع إنتاج الكميات التي نطمح إليها”. ويبين أن الشركة أنتجت السنة الماضية 4.2 مليون طن بعد أن كان معدل الإنتاج يصل إلى ثمانية ملايين طن سنويا. وعادت عمليات الإنتاج لتتعطل مجددا بعد أسابيع قليلة على اندلاع سلسلة من الاحتجاجات في مدن عديدة بالبلاد، بسبب القرار الحكومي برفع الأسعار والضرائب. وتشهد حاليا مناطق أخرى في البلاد تجددا لوتيرة الاحتجاجات وخصوصا في منطقة الكامور (جنوب) التي عرفت منذ سنة اعتصاما في موقع لإنتاج النفط، بينما تستعد تونس لانتخابات بلدية في مايو المقبل وأخرى تشريعية ورئاسية في 2019. وتفاقم التوتر السياسي في محافظة قفصة، ما عقد مسار المفاوضات مع المحتجين وظل الإنتاج معطلا بشكل تام لمدة ستة أسابيع. ويعزو الناشط في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية المتخصص في الملفات الاجتماعية رابح أحمدي سبب تعطيل الإنتاج إلى “قلة الثقة أساسا” بين المواطنين والحكومة، إضافة إلى أن المحتجين كما الحكومة، “منقسمون” في مواقفهم. وتم توجيه اتهامات إلى نواب في البرلمان بأنهم استغلوا المفاوضات لأغراض انتخابية، ما أثر على عملية الإنتاج، ولم تعد شركة فوسفات قفصة تنتج سوى 160 ألف طن خلال شهري يناير وفبراير الماضيين بعد أن كانت قدرتها الإنتاجية تصل إلى 540 ألف طن شهريا. وأعلنت الحكومة ملاحقة المحتجين قضائيا ووقف عملية توظيف 1700 شخص. واستؤنفت عملية الإنتاج منذ بداية مارس الجاري، لكنها تبقى مهددة بتواصل الاعتصامات وباستعداد المحتجين لوقفها من جديد في أي وقت. ووفقا لسكان الجهة، فإن الاعتصامات هي الحل الوحيد الذي يلجأون إليه في كل مرة لتذكير الحكومة بأن الفوسفات قطاع أساسي لتحقيق نسبة 3 بالمئة في النمو الاقتصادي. وقد زار العديد من الوزراء هذا الأسبوع الحوض المنجمي. ولم تعد الشركة التي تسجل خسائر جراء الاضطرابات الاجتماعية، تساهم في الموازنة العامة للبلاد منذ 2011. ولكن يبقى الفوسفات يمثل نسبة ثلاثة بالمئة من الصادرات التونسية، وله تأثير على الناتج الداخلي الخام. ويكشف المهندس بشركة فوسفات قفصة رفيق صميدة المدافع النشط على القطاع أن “الانقطاعات (عن الإنتاج) تشكل تهديدا”. ويتابع “كل المطالب والاحتجاجات مشروعة، هناك غياب تام للدولة في هذه المنطقة، ولكن إن توقف الإنتاج والعمل، فإن 32 ألف موطن شغل ستكون مهددة”.
مشاركة :