ضمن فعاليات أيام الشارقة المسرحية الـ28 أقيمت ندوة بعنوان “الفن يورث.. عرض تاريخي حول عائلات المسرح العربية” وخلالها كانت هناك إشارات مهمة للعائلات الفنية التي تستحق التأريخ والتوثيق لما قدّمته للفن، وما كان لها من أثر فيه، فضلا عن التطرق لتساؤلات مهمة حول نجاح وتفوّق أو فشل الأبناء والآثار السلبية للظاهرة اليوم. فرق عائلية بداية أكد مدير الندوة الناقد المسرحي الجزائري خلاف عبدالناقد أن ظاهرة توريث الفن تتجلّى في الوسط الفني العربي خلال السنوات الأخيرة بل حتى قبل ذلك، إذا تعلّق الأمر بالدراما المصرية بعدما تكرّست هذه الظاهرة طيلة عقود من الزمن في الوسط الفني الغربي بخاصة في مجالي السينما والغناء. ولفت إلى أن هناك دوافع تقف وراء هذه الممارسة الآن وفي مقدّمتها العمل على الحفاظ على موروث العائلة فنيا وماديا ومعنويا بخاصة تلك العائلات التي تمتلك استثمارات كبيرة في هذا المجال على غرار شركات الإنتاج والاستوديوهات وغيرها. ويعود ذلك إلى طبيعة التنشئة التي يتلقاها أبناء الفنانين في مناخ فني حيوي ديناميكي يزخر بالحضور الإعلامي الكثيف فينشأون تحت بؤرة الأضواء وبرحابة المال ورغد العيش. لكنه يتساءل هل تغني هذه التنشئة بأجوائها وتميّزها عن الموهبة والممارسة والخبرة والإبداع؟ وهل بالفعل يمكن اكتساب الممارسة الفنية دون موهبة؟ وأرّخ الناقد والباحث المسرحي المغربي فهد الكغاط للظاهرة مشيرا إلى أن نشأتها جاء مع نشوء الظاهرة المسرحية نفسها في بلاد اليونان، إذ يؤكد بعض الدارسين أن عائلات روّاد التراجيديا الإغريق: إيسخيلوس وسوفوكليس ويوربيديس، قد مارست المسرح في اليونان، وبعض أفرادها مارسه في حياة الروّاد الثلاثة، والبعض الآخر بعد رحيلهم. تشكّل بعض العائلات في مختلف الأقطار العربية حضورا بارزا في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والدينية والثقافية والإبداعية والفنية، حتى لتعتبر ظاهرة ممتدة على مدار التاريخ العربي والإسلامي، وقد دخلت هذه الظاهرة إلى المجال الفني الحديث منذ منتصف القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين لتؤسس وتبني مقدّمات مسيرة الفن العربي في المسرح والسينما والغناء والفن التشكيلي والدراما وغيرها من الفنون. هذه الظاهرة كانت محور ندوة نقدية ضمن فعاليات أيام الشارقة المسرحية الـ28 ورأى الكغاط أن المسرح العربي على امتداد تاريخه من البداية إلى الآن قدّم عددا مهمّا من التجارب المسرحية التي بلورها وقدّمها إلى الجمهور أفراد ممارسون للمسرح ينتمون للعائلة ذاتها. وتناول الكغاط ظاهرة العائلة الممارسة للمسرح والفرقة المسرحية العائلية، مؤكدا أنّ عددا من الفرق المسرحية العائلية أسس لتجارب هامة في الحركة المسرحية العربية، ولعل أبرز النماذج على ذلك في ما يخص المغرب عائلة الطيب الصديقي وعائلة عبدالقادر وعبدالرزاق البدوي وعائلة عبدالواحد عوزري وثريا جبران، وغيرها من العائلات التي مارست المسرح وبشكل أساسي في إطار الفرقة الواحدة ذاتها. السلبي والإيجابي طرح الناقد المسرحي المصري عمرو دوارة عدة تساؤلات هامة منها: هل الفن يمكن أن يورث عن طريق الجينات الوراثية؟ أم عن طريق المناخ الثقافي؟ هل معنى التوريث أب وأبناء أم يمكن أيضا أن يتمثل في الإخوة معا؟ لماذا انتشرت الظاهرة بكثافة في النصف الثاني من القرن العشرين؟ وتناول دوارة لمحات من البدايات التأسيسية للمسرح في بعض الدول العربية، مثل لبنان مارون النقاش ونقولا النقاش وسليم النقاش الذين يعود إليهم الفضل في استمرارية المسرح العربي منذ انتقاله إلى مصر عام 1876، وفي مصر هناك فاطمة رشدي وشقيقتاها رتيبة وإنصاف، وغيرهما. وتطرّق دوارة إلى التوريث في مختلف الفنون الغناء والسينما والتأليف المسرحي والثقافة، مؤكدا أن التوريث قائم في مختلف الفنون وأنه لا يقتصر على مرحلة زمنية بعينها، كأدهم وسيف وانلي في الفن التشكيلي وسيد درويش وأبنائه محمد البحر وحسن درويش وحفيده إيمان البحر درويش في الغناء، وزكي مراد وليلى ومنير مراد في الغناء والتمثيل والتلحين، وفي التأليف العائلة التيمورية والعائلة الأباظية وعائلات النقاش ودوارة وخشبة. ورأى دوارة أن أسباب انتشار ظاهرة التوريث بنهاية القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين مردها أسباب اقتصادية والشهرة والأضواء وهذا واضح في مجال التمثيل باعتبار أنه الأكثر ربحية، وبالطبع هناك ظواهر سلبية نتيجة هذا التوريث من بينها أنهم يأخذون فرص آخرين أكثر موهبة، لذا فإن دور أكاديميات الفنون والمعاهد اكتشاف الموهوبين الذين يعتمدون على مواهبهم والعصاميين. وضرب أمثلة لمن فشلوا في إرث الآباء مثل إبراهيم بن سلامة حجازي ونادية ذوالفقار ابنة فاتن حمامة وعزالدين ذوالفقار. الفنان الإماراتي عبدالله صالح تحدث عن مسيرته الفنية التي بدأت من خلال المسرح، وتحدث مطولا عن ابنه مروان عبدالله ممثلا ومخرجا مسرحيا، وقال “لقد تفوق ابني عليّ”. ورأى الكاتب العماني عبدالرازاق الربيعي أن التوريث الفني قتل العصامية وخلق كما نرى الآن في المشهد الفني العربي هيمنة وسطوة وقتل روح الإبداع والموهبة. ومن سلطنة عمان أيضا قال المسرحي عبدالغفور أحمد البلوشي أن ظاهرة التوريث الفني في سلطنة عمان تتجلّى في فرق الفنون الشعبية التي كانت موجودة في كل محافظة من محافظات السلطنة، وهذه الفرق كانت مختلطة، ومكوّنة من أسر كاملة الأب والأم والأبناء والبنات والعمّات والخالات. لافتا إلى أن العنصر النسائي كان متواجدا بحكم الحضور الأسري والعائلي. ورأت الكاتبة غادة البشر أن بعض الأبناء الذين ورثوا الفن ـ خاصة في الوقت الحالي ـ من آبائهم قد يكونوا نجحوا ولكنهم لم يحققوا ذات النجاح والبصمة التي حققها آباؤهم ومثال ذلك الفنان القدير أحمد زكي وابنه هيثم أحمد زكي
مشاركة :