يوحى عنوان رواية أشباح شمس للكاتب ( أحمد خيرى ) لأول وهلة أنها رواية خيالية لأشباح وخيالات وكوابيس تسبح فى الخرافة، ولكن ما إن تبدأ القراءة وحتى تفرغ من الرواية حتى تدرك أنها تقدم لك الحقيقة فى أكثر أشكالها قسوة واجتراء وجلاء ، مطعمة بأفكار وخطوط تبدو فوق مستوى الواقع الملموس الطبيعى فى تداخل محكم ومرهف ومفعم بالخيال والتشويق .وتعتمد الرواية تقنية تعدد الأصوات أوالبوليفونية، بحيث تتبادل الشخصيات الحكى لتعيد إضاءة المناطق التى تركها المؤلف لتتشكل الصورة بطريقة أشبه بالبازل، حيث كل صورة بها جزئية ناقصة تكتمل رويدا رويدا حتى تكتمل القصة أو الحكاية.الفصول معنونة بعناوين ترتب الحكى وبعضها يحمل تواريخ محددة إمعانا فى إضفاء حالة من المصداقية والدقة على القصة أشبه بمذكرات أو يوميات، وبرغم كون العمل إبداعا خالصا بالأساس إلا أن المؤلف استطاع التلاعب بالقارئ بحنكة شديدة لجعله يتأرجح بين كونها أحداثا حقيقية أو محض خيال أم الاثنين معا.وفى السرد يتوارى المؤلف بدهاء وراء شخصياته ، الأب ( أمين صبرى) مفتش الآثار الشريف المغدور به العمود الفقرى الحقيقى للرواية ونقطة انطلاقها ثم الأم والطبيبة الشرعية شمس بطلة الراوية الفعلية وباقى شخوص الرواية المكملة والداعمة لهذه لحكاية الغريبة المدهشة والتى تؤكد أنه ما غريب إلا الشيطان كما نقول فى أمثالنا الشعبية، وأن الحياة بها من الغرائب ما يجعلنا نقف أمامها ذاهلين متجمدين نضرب كفا بكف ونستعيد مقولة شكسبير الشهيرة فى عمله العظيم هاملت " هناك أشياء يا هوراشيو بين السماء والأرض لم نفهمها بعد" ، وقد ساعد فى تمرير هذه الأحداث المدهشة على عقولنا ومنها لقلوبنا أسلوب المؤلف بلا شك والذى يتسم بالسلاسة والبساطة والتأملات الفلسفية والنفسية التى تقطر صدقا وعفوية وإنسانية شديدة والقالب المشوق الذي وضع فيه حكايته بعوالمها البصرية والدرامية الجديدة والمبتكرة والغير مكررة حتى لبعض الأماكن والتفاصيل التى اعتدنا وجودها حولنا.رواية أشباح شمس رواية تستحق القراءة والتأمل ، تستحوذ على القارئ حتى بعد فراغه منها، تجبرنا على إعادة التفكير والنظر فى أشياء كثيرة ثرية فى حياتنا نفوتها ببلادة الاعتياد ، وبرغم كونها رواية حزينة لكنها ليست متجهمة وإنما حزن شفيف نبيل يلف شخوصها وتجاربهم فتتوحد معهم وتنخرط فى عوالمهم بانكساراتهم و انتصاراتهم على السواء .رواية أشباح شمس رحلة وعرة للوصول لشبح الحقيقة ووهم اليقين.بقلم الدكتورة ثناء هاشممدرس بالمعهد العالي للسينما
مشاركة :