عادات الاستهلاك لدى طالبي اللجوء تعبير عن الذات

  • 3/22/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تُوضِّح السلع والخدمات التي يشتريها طالبو اللجوء الحاصلون على تحويلات مالية غير مشروطة سلوكهم الاستهلاكي، الذي يتجاوز حدود تلبية حاجاتهم الأساسية ليصل إلى تحقيق رغبات أكبر بتعزيز انتمائهم المجتمعي. شهدت ألمانيا ارتفاعاً حاداً في أعداد طلبات اللجوء إلى درجة فرضت ضغوطاً هائلة على قدرات المنظمات المساعدة، جعلتها عاجزة عن توفير المساعدات الفردية الأدق استهدافاً، لذا استخدمت حوالات نقدية كمعيار اختباري تفهم من خلاله عادات اللاجئين في صرف المال، ويؤهّل هذه المنظمات في بناء برامج مساعدة أكثر فعالية. ومن الوسائل التي اعتمدت، توزيع قسائم مالية على 30 مشاركاً من خلفيات ديموغرافية عدة، وسمح لهم صرف المال من دون أي قيد أو شرط على مدار 10 أيام. واتضح أنهم انفقوا في المعدّل نحو 40 في المئة من التحويلات النقدية على شراء الملابس والأحذية، وكانت تلك الفئة الأعلى من المشتريات تلتها في الفئة الثانية شراء الطعام بمعدل صرف وصل إلى 22 في المئة. أما الفئة الثالثة فكانت لشراء الهدايا بمعدل 9 في المئة. وقسّمت عينة البحث وفقاً لثلاثة من مستويات الدخل الشهري حسب مستوى الرفاه الاجتماعي للمشاركين: 275 يورو، 275 - 400 يورو، وأكثر من 400 يورو. وحدد مستوى الرفاه وفق بلد المشارك الأصلي وحجم أسرته المباشرة في البلاد ووضعه الوظيفي. وهكذا، جاء في المرتبة الأولى في الإنفاق طالبو اللجوء الذين تلقوا أقل من 400 يورو شهرياً في الفئة الأكبر، أي شراء الملابس والأحذية، يقابلهم من يتلقى أكثر من 400 يورو ممن لم ينفقوا أي مبلغ من الحوالة المالية المقدّمة لهم على شراء الملابس أو الأحذية. وكان شراء الطعام متساوياً نسبياً عبر مختلف مستويات الدخل، كما لوحظ أن الفئات الثلاث صرفت جزءاً من المال على شراء الهدايا. وكان المشاركون ممن أقاموا في المخيمات فور وصولهم ألمانيا، لكنّ 7 منهم عاشوا في المنازل و14 عاشوا في شقق موقتة قدمتها الحكومة لهم، أما 9 منهم فلا يزالون في مخيمات. إضافة إلى ذلك، مع أنَّ معظم المخيمات تقدّم الطعام المطهي فلم يؤثر كثيراً على إنفاق المال على الطعام بين «فئات المشروع». لماذا يصرفون المال على الملابس والغذاء والهدايا؟ الملابس: قال المشاركون إنَّ الملابس وإن لم تكن حاجة أساسية فهي تمثل وسيلة مهمة للتعبير عن الذات والتمكين. وكان كثر منهم تلقوا تبرّعات لمرة واحدة فقط لصرفها على الملابس فور وصولهم إلى ألمانيا. ورأى مشاركون أن هذا الدعم كان مهماً لأنه مكّنهم من التخفيف عن أحمال مقتنياتهم في أثناء رحلتهم. لكن طول مدة مكوثهم في ألمانيا أشعرتهم بالحاجة لشراء أنواع مختلفة أخرى من الملابس. وبسبب ضعف الموارد المالية اللازمة لتلبية ضرورات الحياة كالملابس، لم تكن لديهم خيارات كثيرة لارتداء الملابس المناسبة لمقابلات العمل أو لمواجهة الظروف الجوية على سبيل المثال. ومن جهة أخرى، شعر المشاركون بالخجل إزاء ارتدائهم للملابس المستعملة كل يوم وقالوا إنها منعتهم من الانفصال عن تصنيفهم «كلاجئين» يحتاجون إلى الإعانات. كما شعر معظم المشاركين بمحدودية قدرتهم على السيطرة على حياتهم في ألمانيا، إذ لم يكن لهم اختيار مكان عيشهم وعملهم ولا طعامهم أو ملابسهم أو مجال تعليمهم. لكن اختيار الملابس بهدف التعبير عن الذات ظهر في هذا السياق مبالغاً به بعض الشيء. وجاء قرار بعضهم بتحديد المتجر الذي سيشتري منه الملابس ليسمح له بمواكبة الموضة الدارجة لدى المجموعات الاجتماعية، ما أتاح له الفرصة في حرية التنقل الاجتماعي وزاد من حسه بالانتماء. وذكر المشاركون أيضاً أن شراءهم الملابس أتاح لهم فرصة اختيار انطباع الناس في المجتمع حولهم وحول وضعهم، وأن المتاجر التي يمكنهم شراء الملابس منها يمكن أن تؤثر على هذا الانطباع. ومثال ذلك أن بعضهم ينفق المال غير المشروط الذي تلقاه في شراء الملابس من المتاجر الأغلى (للمظهر الحسن). الطعام: ينظر المشاركون لمسألة اختيار الطعام وجليس الطعام على أنها واحدة من أهم السبل المطلوب انتهاجها لتعزيز الانتماء في المجتمع المحلي والحصول على الاستقلالية. أما طالبو اللجوء الذين يعيشون في المخيمات فلم تكن لديهم سيطرة كبيرة على الطعام الذي يتلقونه، إذ ليس لهم سوى تناول ما تعدّه لهم مرافق الطهي. ولا يُسمَح لمعظم المقيمين في المخيمات الطهو بأنفسهم، بل عبّر مشاركون عن عدم موافقة الطعام المقدّم لأذواقهم أو لثقافتهم. وكانت المشكلات المتعلّقة بالشكوك حول اللحم الحلال سبباً في إثارة التوتر بين طاقم الخدمة والمقيمين في المخيمات. ومن جهة أخرى، يُقدَّم الطعام في كافتيريا المخيم في أوقات محددة وثابتة في اليوم، ويعني ذلك عدم إعطاء المقيمين الحرية في اختيار من يجالسون خلال تناولهم للطعام ولا كيفية ترتيب جدول وجباتهم اليومية. وعندما يستفيض المشاركون في الحديث عن المعاني المرتبطة بالطعام، يتضح أنهم يربطون بين ممارسات الطعام مع الصحة العقلية. واستجابة لذلك، بدلاً من تناول الطعام الذي يقدّمه المخيم، يلجأ كثر إلى استخدام بعض المال المتاح لهم في شراء وجباتهم بأنفسهم. ونظراً للمكانة الحيوية للطعام في بلورة الهوية الثقافية، يرى طالبو اللجوء في الذهاب إلى متجر الخضار سبباً في الاندماج ومصدراً للشعور بالاستقلال. ويصبح الإعداد الذاتي للطعام وما يصاحبه من شعور بالاستقلال من الأمور الممكن تحقيقها لمن يعيش في الشقق السكنية والمنازل، ويفسر غياب ذلك الخيار سبب رغبة الناس بالخروج من المخيمات. فالقدرة على اختيار الطعام تجسّد بعض مظاهر التحرر من بعض أنواع الاعتماد على الدولة. وتناول الطعام فعل اجتماعي ووسيلة يستخدمها كثر من المشاركين في بناء العلاقات المجتمعية، إذ استخدم بعضهم جزءاً لا بأس به من المال في طهو الطعام بمشاركة أشخاص آخرين. وحتى الذين يعيشون منهم في المخيمات ويتلقون الطعام المخدوم، عمدوا إلى إحضار المؤن اللازمة لإعداد الطعام المجتمعي (سعياً للمشاركة، وفي شهر رمضان كانوا يعدون الطعام معاً). ويجد المشاركون راحة عندما يطهون الطعام المجتمعي بأنفسهم خصوصاً أنه يتوافق مع معاييرهم الثقافية. وقد حدد بالفعل بعضهم متاجر متخصصة في المدينة حيث يمكنهم شراء مكوّنات الطعام التي لا يمكنهم العثور عليها في متاجر الخضروات الألمانية. ويعزز التردد على المتاجر المتخصصة من الإحساس بالانتماء للمدينة أما المشاركة في طهو الطعام المألوف، فيتولّد عنه شعور بالراحة النفسية والبدنية. الهدايا: تمثل الهدايا لمن يقّدمها وسيلة للتعبير عن القيم الثقافية والشخصية وتمتين العلاقات بين الفرد والغير. وقد صرف بعضهم جزءاً من المال على الهدايا بغض النظر عن مستوى دخلهم. ومثال ذلك هارون، الذي قال إنَّه لو كان في باكستان لأهدى ابنة أخته هدية في عيد ميلادها، لكن ذلك شبه مستحيل لأن القانون يمنع طالب اللجوء من استخدام المال الذي يحصل عليه من منظومة الرفاه الاجتماعي في إرسال الحوالات أو الهدايا العينية لأسرته في باكستان. وللالتفاف على هذه القيود، استخدم هارون الحوالة المالية لشراء حذاء ثم أعطاه لزميله في السكن الذي اتصل بدوره بأخيه في باكستان وطلب إليه شراء دمية من هناك وإعطاءها لابنة أخت هارون نيابة عنه. فالهدية، سواء كانت تمراً يوزّع في شهر رمضان أو أداة لصنع القهوة للصديقة، تمثل طريقة لتعزيز المجتمعات الداعمة. ومما تقدّم، يتضح أن المشاركين استخدموا الحوالة المالية غير المشروطة في تعزيز السيطرة الفردية على محيطهم المباشر، وتمكن الاستفادة من هذه النتيجة عند اقتراح التوصيات الخاصة بإنجاح اندماج طالبي اللجوء. بناء قنوات تمكّن من الاستقلالية في شراء الملابس: فيما يتعلّق بطالبي اللجوء من ذوي الدخل الشهري الذي يقل عن 400 يورو، حبذا لو كان هناك ترتيب لعرض ملابس مُتبرّع بها في بيئة شبيهة بالمتاجر وبيعها بأسعار تفضيلية، ما سيتيح لطالبي اللجوء حرية الاختيار. وفي هذه الحالة، يوصى بأن يكون مديرو هذا المتجر من طالبي اللجوء. وفي حال عدم إتاحة ذلك، يمكن التفكير بتقديم قسائم خاصة بشراء الملابس. ربط طالبي اللجوء بالعائلات المحلية: وجد الذين نسجوا علاقات تواصل مع العائلات الألمانية استقراراً وإرشاداً يُمكِّنهم من تمضية الوقت مع هذه العائلات في موقع ما خارج المخيم، ما يحسّن أيضاً من مهارات استخدام اللغة الألمانية. وبالمقابل، في مقدور العائلات المحلية أن تتولى دور المرشد لهم نحو تعلّم الثقافة الجديدة والمشاركة في الحوار. وتمكن إقامة مثل هذه العلاقات من خلال برنامج رسمي للعائلات المضيفة. التكيّف مع واقع الإقامة بعيدة الأمد في المخيمات: صممت مخيمات كثيرة يعيش فيها اللاجئون أساساً لتكون مراكز استقبال قصيرة الأمد، لكنَّ الواقع يشير إلى أن المخيم أصبح مأوى بعيد الأمد ما يعني ضرورة تعديل البنى التحتية المادية وإجراء الترتيبات اللازمة مثل خدمة الطعام، بما ينسجم مع هذا الواقع الجديد إذا ما أريد لطالبي اللجوء المحافظة على صحتهم البدنية والعقلية. فعلى سبيل المثال، ينبغي لمقدّمي الخدمات الاعتراف بثنائية الأدوار التي تصاحب طهي الطعام وشراءه وتناوله، لأنها تساهم في الحفاظ على الممارسات الثقافية السابقة، وتتيح في الوقت عينه المجال أمام تعلّم طالب اللجوء لكيفية التعامل مع مكان إقامته الجديد وتعزز من انتمائه إليه.

مشاركة :