بدأ التنافس يتصاعد شيئا فشيئا بين الأطراف السياسية الليبية على الانتخابات المزمع إجراؤها خلال النصف الثاني من هذه السنة، رغم عدم الإعلان عن موعد محدد إلى غاية الآن. وتسود حالة عدم اليقين بشأن إمكانية إجراء هذه الانتخابات خلال العام الجاري، إلا أن بعض الأطراف بدأت الاستعداد لخوضها من خلال الإعلان عن مبادرات ومشاريع تهدف في مجملها لـ”إنقاذ ليبيا”. وقالت مصادر ليبية لـ”العرب” إن جماعة الإخوان المسلمين بقيادة علي الصلابي تستعد لإطلاق سلسلة من الاجتماعات في تركيا، والإعلان عن “مشروع وطني للسلام والمصالحة الوطنية”، استعدادا للانتخابات. وتحصلت “العرب” على نسخة من مقترح المشروع الموقع من طرف علي الصلابي. ويتكون المشروع من ثمانين ورقة خصص الجزء الأول منها للحديث عن تكتل سيتم تشكيله من عدة شخصيات من ليبيا لتطبيق مشروع المصالحة واختيار شخصية يتم ترشيحها للانتخابات الرئاسية. والصلابي من بين أبرز القيادات الإسلامية التي وضعت على قوائم الإرهاب من قبل مصر والإمارات والسعودية والبحرين. ويقول مراقبون إن الإخوان يسعون لاستغلال ورقة المصالحة لترميم صورتهم التي ارتبطت بتغذية العنف ودعم الجماعات المتطرفة والميليشيات الإسلامية. وطيلة السنوات التي تلت سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي قدم الإسلاميون أنفسهم على أنهم حماة حمى “ثورة 17 فبراير” ووقفوا في وجه كل من دعا إلى المصالحة مع رموز النظام السابق. ولم يتردد تيار الإسلام السياسي في وصف كل من يدعو للمصالحة بـ”عملاء الدول الساعية لإحباط الثورة” حتى وإن كان من الشخصيات التي شاركت في الإطاحة بنظام القذافي، لعل أبرزهم المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الذي كان من بين أول من دعا عسكريين موالين للقذافي للعودة إلى العمل. الإخوان يسعون لاستغلال ورقة المصالحة لترميم صورتهم التي ارتبطت بتغذية العنف ودعم الجماعات المتطرفة ويتوقع هؤلاء المراقبون أن تتعمق هزائم التيار الإسلامي الذي مني بخسارة فادحة خلال الانتخابات التشريعية التي جرت منتصف العام 2014، ما دفعهم للانقلاب على نتائجها بقوة السلاح، خلال ما عرف حينئذ بعملية “فجر ليبيا”. ولا يستبعدون أن يلجأ الإسلاميون لدعم شخصيات مستقلة في الخفاء، يستعملونها حال نجاحها في ما بعد لتمرير أجنداتهم والسيطرة على دواليب البلاد ومؤسساتها. وتأتي مبادرة الإخوان بعد أيام من إعلان سفير ليبيا السابق لدى الإمارات عارف النايض عزمه الترشح للانتخابات الرئاسية. وكان عارف النايض الذي يشغل حاليا رئاسة مجمع ليبيا للدراسات المتقدمة، أطلق في سبتمبر الماضي رؤية قال إنها “تأتي على ضوء تعدد المبادرات بخصوص الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة”. وقال النايض حينئذ إن فريق العمل في المجمع قام بتحديث مبدئي لرؤيته نحو مستقبل ليبيا، وإطلاق الموقع التفاعلي باسم “رؤية إحياء ليبيا 2020” على أن يستمر الفريق في تحديث محتوى الموقع وتنقيحه عبر حوار مفتوح مع الشباب والخبراء رجالا ونساء من كل المجالات. ويصطدم إجراء الانتخابات الليبية بعدة عراقيل من بينها فشل الفرقاء السياسيين في التوصل لاتفاق بشأن توحيد سلطة تنفيذية تشرف على الاستحقاقات، بالإضافة إلى عجز مجلس النواب عن إصدار قانون الاستفتاء على الدستور وقانون الانتخابات. ويصر المجتمع الدولي على ضرورة أن تجرى الانتخابات عقب إنجاز كل هذه المراحل التي ستؤسس لأرضية سياسية صلبة وتنهي الفترة الانتقالية. لكن المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، شدد الأربعاء على ضرورة إجراء الانتخابات قبل نهاية العام الجاري. وقال خلال إحاطة قدمها لمجلس الأمن إن “إجراء انتخابات نزيهة قبل نهاية هذه السنة هو في قمة أولويات الأمم المتحدة”. واستدرك “من المهم جدا قبل إجراء هذه الانتخابات أن نكون متأكدين أنها سوف تكون شاملة وأن نتائجها سوف تقبل من الجميع”. وتابع سلامة “لقد أحرزنا تقدما في عكس عملية الاستبعاد المتبادل الموجود في ليبيا، والتواصل مع المجتمعات التي تم تهميشها بما في ذلك أنصار النظام السابق”. وكان سلامة أعلن في وقت سابق ترحيبه بمشاركة أنصار القذافي في أي عملية سياسية شرط التخلي عن سلاحهم للدولة. والاثنين أعلن أيمن بوراس الذي ادعى تكليفه بالبرنامج السياسي والإصلاحي لسيف الإسلام القذافي، ترشح نجل معمر القذافي للانتخابات الرئاسية. ورغم صدور بيان عن كتيبة أبي بكر الصديق التي كانت تحتجز القذافي الابن، نفى تكليف بوراس بهذه المهمة، إلا أن كثيرين اعتبروا أن إعلان ترشح القذافي يندرج في سياق استعداد أنصار النظام السابق للانتخابات. واعتبر مراقبون أن المؤتمر الذي عقد في تونس لم يكن سوى مناكفة إعلامية لاستفزاز أنصار “ثورة 17 فبراير”، مستندين في قراءتهم هذه إلى العراقيل التي مازالت تعترض سيف الإسلام للترشح وفي مقدمتها ملاحقته من قبل محكمة الجنايات الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب. ويرجح هؤلاء المراقبون أن يقدم أنصار القذافي مرشحا من رموز الصف الأول كبشير صالح أو جادالله منصور الطلحي.
مشاركة :