ولد الدبلوماسي والشاعر السوري الشهير نزار قباني في 21 مارس 1923 من أسرة دمشقية عريقة، إذ يعتبر جده "أبو خليل القباني" رائد المسرح العربي، درس الحقوق في جامعة دمشق، وفور تخرجه فيها انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلًا بين عواصم مختلفة حتى قدّم استقالته العام 1966. أصدر أول دواوينه العام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها "طفولة نهد" و"الرسم بالكلمات"، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم "منشورات نزار قباني" وكان لدمشق وبيروت حيز خاص في أشعاره، لعل أبرزهما "القصيدة الدمشقية" و"يا ست الدنيا يا بيروت". بلقيس نكسة نزار قباني الشخصية عرف قبّاني مآسي عديدة في حياته، منها انتحار شقيقته عندما كان طفلًا، ومقتل زوجته بلقيس خلال تفجير انتحاري في بيروت، وصولًا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته "الأمير الخرافي توفيق قباني". وكانت بلقيس الشحنة العظمي، ودرة تاج نزار، المرأةُ التي أعادته إلى الشعر بعد توقف دام لثلاث سنوات، تقدّم لخطبتها كثيرًا، ورُفض كثيرًا، ولكنّ الأهل وافقوا في نهاية المطاف، ثم بعد سنواتٍ من الهدوء والحُب، تعرض نزار لزلزلة قوية اجتاحته عقب تفجير استهدف السفارة العراقية خلف زوجته بلقي قتيلة، ليُعلن نزار انتفاضته الخاصة على الجميع، فالكل مُشاركون في قتل بلقيس. من الممكن التأريخ لحياة نزار ما قبل بلقيس وما بعد بلقيس، ولقد قضى بعدها خمسة عشرة عامًا في لندن، لم يسكن يومًا عن الثورة على "العرب" الذين قتلوها، فكتب "متى يعلنون وفاة العرب؟" و"المهرولون"، وغيرهما. وخلال طفولته انتحرت شقيقته، بعد أن أجبرها أهلها على الزواج من رجل لم تكن تحبّه، وهو ما ترك أثرًا عميقًا في نفسه، ولم يكشف عن القصة باكرًا، بل قال إنها توفيت بمرض القلب، إلا أن مذكراته الخاصة كشفت عكس ذلك، وكتب: "إن الحبّ في العالم العربي سجين وأنا أريد تحريره". كما ارتبط بعلاقة خاصة مع والدته، التي لم تفطمه حتى بلغ السابعة وظلّت تطعمه بيدها حتى الثالثة عشر من عمره. كلمات النقاد حول شعر نزار قباني ورث نزار من أبيه، ميله نحو الشعر كما ورث عن عمه أبو خليل القباني حبه للفن بمختلف أشكاله. يقول في مذكراته إنه خلال طفولته كان يحبّ الرسم، ولذلك وجد نفسه بين الخامسة والثانية عشرة من عمره غارقًا في بحر من الألوان، ومن ثم شُغف بالموسيقى، وتعلّم على يد أستاذ خاص العزف والتلحين على آلة العود، لكنّ الدراسة خصوصا خلال المرحلة الثانوية، جعلته يعتكف عنها. ونشر ديوانه الأول "قالت لي السمراء" على نفقته الخاصة، وأثار جدلًا في الأوساط التعليمية في الجامعة، وذلك في العام 1944، فقد أثار هذا الصوت المختلف جدلًا عنيفًا، وصفه نزار في ما بعد فقال "لقد هاجموني بشراسة وحش مطعون، وكان لحمي يومئذ طريًا" وقال النقاد عنه فيما بعد إنه "مدرسة شعرية" و"حالة اجتماعية وظاهرة ثقافية" وسماه الشاعر حسين بن حمزة "رئيس جمهورية الشعر" كما لقبه "أحد آباء القصيدة" إذ قرب الشعر من عامة الناس، أما الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي فوصف نزار بكونه "شاعر حقيقي له لغته الخاصة، إلى جانب كونه جريئًا في لغته واختيار موضوعاته"، لكنه انتقد هذه الجرأة "التي وصلت في المرحلة الأخيرة من قصائده "لما يشبه السباب". ورأى الشاعر علي منصور أن نزار حفر اسمه في الذاكرة الجماعية وأنه شكّل حالة لدى الجمهور "حتى يمكن اعتباره عمر بن أبي ربيعة في العصر الحديث". وعن شعره السياسي قال حسين بن حمزة: " أذاق العرب صنوفًا من التقريظ جامعا بين جلد الذات وجلد الحكام، في طريقة ناجعة للتنفيس عن الغضب والألم، وله أيضا دور بارز في تحديث مواضيع الشعر العربي الحديث، وكتب بلغة أقرب إلى الصحافة تصدم المتعوّد على المجازات الذهنية الكبرى. وألقت حداثته بظلال كثيفة على كل من كتب الشعر، وذلك لكون قصائد نزار سريعة الانتشار. نزار قباني والسياسة عمل نزار دبلوماسيا للدولة السورية في عدة سفارات منها القاهرة وأنقرة ولندن ومدريد وبكين وبيروت حتى استقال وتفرغ للشعر في عام 1966، وكتب في الشعر السياسي وانتقد الاوضاع العربية وكانت قصيدته "خبز وحشيش وقمر" سببا فى جدال ضخم انتشر في دمشق ووصل حتى قبة البرلمان، نتيجة اعتراض بعض رجال الدين عليه ومطالبتهم بقتله، فما كان منه إلا أن أعاد نشرها خارج سورية. عاش السنوات الأخيرة من حياته في لندن يكتب الشعر السياسي ومن قصائده الأخيرة "متى يعلنون وفاة العرب؟" ولم يتصور أحد أن شاعر المرأة والحب بإمكانه أن يكتب عن الحرب والسياسة، ربما ذلك يرجع لأن نزار قباني كان دبلوماسيا واعيا، بالتأكيد لم يكن متحذلقا؛ تكفي تلك الكلمات لوصف ما ألم بالشعوب الحالمة التي استيقظت على فاجعة النكسة، وسط جعجعات الساسة وتحليلات الفلاسفة وعديد الشعراء، كشف نزار قباني كعادته الغطاء عن مساوئ المجتمع والأنظمة الحاكمة، بنفس جرأته في رومانسيته التي يعتبرها الكثيرون تصل حد الإباحية، كان مقاتلا شرسا في الحرب، كشاعر.. فقط، ولم يكن الشاعر متفائلا بالاجواء عقب هزيمة 67. وفاته في عام 1997 كان قباني يعاني من تردي في وضعه الصحي وبعد عدة أشهر توفي في 30 أبريل 1998 عن عمر ناهز 75 عامًا في لندن، بسبب أزمة قلبية، في وصيته والتي كان قد كتبها عندما كان في المشفى في لندن أوصى بأن يتم دفنه في دمشق التي وصفها في وصيته: "الرحم الذي علمني الشعر، والذي علمني الإبداع والذي علمني أبجدية الياسمين".
مشاركة :