القاهرة ــــ احمد سيد حسن| شهدت زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى القاهرة، أخيراً، التي استغرقت نصف يوم، الكثير من الأحداث والتطورات الإيجابية، وبددت أجواء الشتاء القارس، الذي خيم على العلاقات المصرية السودانية، ووصلت الأمور إلى سحب الخرطوم سفيرها من القاهرة لعدة أسابيع، وشهدت الأسابيع الماضية جهوداً دبلوماسية بهدف تجاوز الأزمة، التي تشمل العديد من الملفات، أبرزها استمرار طلب السودان باستعادة منطقتي «حلايب وشلاتين»، منذ عام ١٩٥٨؛ أي بعد عامين فقط عن الاستقلال عن مصر بمقتضى استفتاء تقرير المصير. ولقي الرئيس السوداني ترحيباً كبيراً، وأجرى مباحثات ثنائية مع الرئيس عبدالفتاح السيسي في قصر العروبة، ثم عقد مؤتمراً صحافياً، طغت عليه أجواء التوافق، وطرحت مجموعة من الاتفاقيات الجديدة للتعاون بين البلدين، مع إعلان إعادة تفعيل الاتفاقيات القديمة، التي توقف تنفيذها بسبب الخلافات، على غرار ما حدث بعد زيارة البشير الى القاهرة في أكتوبر 2016، عندما تم الاتفاق وقتها على إقامة علاقة شراكة إستراتيجية كاملة، لكن سرعان ما تبددت تلك الأجواء بفعل مشكلات عدة سببت في وقوع أزمة كبيرة بين البلدين، تطورت مجرياتها إلى مستوى تبادل الاتهامات الحادة بين مسؤولي البلدين عبر وسائل الإعلام، وبشكل خاص بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السودان، وعقد اتفاقيات تعاون بين أنقرة والخرطوم، من بينها إعادة تأهيل ميناء سواكن بخبرة وتمويل من تركيا، وما تردد في القاهرة عن تواجد عسكري تركي على البحر الأحمر، بالتوازي مع توقيع السودان اتفاقيات تعاون مع قطر، مما عقد من الأزمة التي أخذت في التصاعد، وزاد من وتيرتها فشل المفاوضات المصرية ـــ الأثيوبية في التوصل إلى حلول ترضي مصر حول سد النهضة، ووقوف الخرطوم إلى جانب اديس أبابا في مواقفها، مما اعتبرته القاهرة طعنة من الأشقاء في السودان. مخاوف وتطمينات ومن المفارقات، أن تفتح مشاركة مصر والسودان في قمة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا يناير الماضي، أبواب المصالحة بين البلدين، حيث عقدت قمم ثنائية وثلاثية ضمت أثيوبيا، وشهدت التوصل إلى تفاهمات وتطمينات مشتركة، سواء حول نوايا وخطط أثيوبيا في بناء السد، والتأكيد على عدم الإضرار بمصر، إضافة الى إقرار آلية ٢+٢ بمشاركة وزيري الخارجية ومديري المخابرات في مصر والسودان، لمتابعة حل المشاكل العالقة، وأهمها كيفية حل ملف حلايب وشلاتين على عدة خطوات، تبدأ بالتكامل واعتماد صيغة السودان «حبايب»، وتأجيل النظر في اقتراحاته بالتحكيم الدولي حول المنطقتين على غرار قضية طابا. كما تم الاتفاق على إيقاف أي أنشطة للمعارضة ضد البلدين في القاهرة والخرطوم، وإيقاف أي نشاط لجماعة الإخوان المسلمين المصرية من الأراضي السودانية، وتوظيف القاهرة علاقاتها المتنامية مع دولة جنوب السودان كعنصر تهدئة وتقارب في العلاقة مع البلد الأم. وعلى غرار ما فعل السودان بإلغاء مشاريع للاستعانة بخبرات إيرانية في إقامة قاعدة عسكرية على البحر الأحمر، شرحت الخرطوم أبعاد اتفاقها مع تركيا الخاص بتطوير ميناء سواكن الأثري، وعدم وجود أي أشكال للتعاون العسكري، يمكن توظيفه للإضرار بمصر أو بالتوازن في البحر الأحمر، الذي يجب أن يبقى بحراً عربياً بشكل أساسي، عبر التفاهم الثلاثي بين مصر والسودان والسعودية، التي لعبت مع الإمارات دورا كبير في حل الكثير من الخلافات والمخاوف المصرية السودانية. المصالحة الأخيرة وعلى الرغم من ذلك، تبقى الأجواء الودية التي حظي بها الرئيس عمر البشير في مصر غير كافية، لضمان تلاشي الخلافات بين البلدين وعدم ظهورها مجدداً، نظراً إلى صعوبة تلك الملفات، لاسيما ملف تأمين الحدود الصحراوية المشتركة، حيث سبق لإسرائيل أن قصفت قوافل تحمل أسلحة خرجت من هذا المثلث إلى البحر الأحمر، مما يجعل من صيغة ٢+٢ حيوية لتأمين الحدود بين مصر والسودان، وعدم السماح بانفجار قضية حلايب وشلاتين بفعل الإعلام على وجه الخصوص، واتباع الدبلوماسية الهادئة، وربما الإدارة المشتركة عبر تقاسم المهام، مع تأجيل مسألة السيادة إلى مراحل، يتم حسم الخلاف حولها عبر التفاوض المستمر، والدخول في سجالات قانونية وتاريخية طويلة، لكن المهم هو أن تنجح القاهرة والخرطوم في عدم العودة إلى الخلافات، وأن تكون مصالحة القاهرة الأخيرة «آخر المصالحات»!
مشاركة :