إعداد: محمد هاني عطوي هل فكرت يوماً كيف ستصبح الأرض لو اختفى البشر الذين يصل عددهم إلى حوالي 7.5 مليار نسمة فجأة، جراء فيروس مدمر أو غزو من كائنات فضائية ؟ هل فكرت كيف ستستعيد الطبيعة حقوقها البيئية؟ وكيف سيكون كوكبنا ؟تخيل أن مدينتك المهجورة أصبحت أكثر هدوءاً من أي وقت مضى فلا تسمع سوى صفير الرياح بين المباني وحفيف الأشجار في الساحات. وفي مكان ما، يأتي فأر ويوقع غطاء علبة القمامة، محركاً بذاك شهوة الجوع عند إحدى القطط. وفي بعض الأماكن لا زالت بعض الأصوات ذات الأصل الإنساني تنبعث من تلفزيون بعيد، ولازالت المحولات الكهربائية تصدر ضجيجها، ثم يتوقف كل شيء فجأة ليبدأ الظلام الدامس يخيم على أحياء المدينة واحداً بعد الآخر للمرة الأولى منذ ظهور مصابيح النفط، قبل آلاف السنين وتبدأ الكلاب تنبح من رائحة الموت. تقلدها بذلك أقرانها هنا وهناك بفعل غريزتها التي لا تخدعها لأنها ربما أحست أن حدثاً رهيباً وقع، وأن أصدقاءها البشر رحلوا وها هي تحيي بنباحها ذاكرتهم للمرة الأخيرة. في هذا السيناريو الدرامي ينمو الغطاء النباتي دون رقابة وتتكاثر الأنواع الحيوانية المهددة بالانقراض ويتمكن كل كائن حي غير الإنسان من أن يتكاثر مرة أخرى. وفي غضون 60 سنة فقط يمكن للمحيطات التي كانت ضحية الصيد المفرط في كل شيء أن تستعيد حياتها من جديد. وبكل تأكيد تنسى الكائنات المتبقية على سطح الأرض ويلات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي خلال 200 سنة. وفي غضون 500 سنة، تعود الغابات إلى ما كانت عليه قبل 10 الآف سنة، إلا أن بقايا الإنسانية بعد 25 ألف سنة، ستكون دون شك النفايات المشعة.بعد زوالنا كبشر، يستمر إنتاج الكهرباء وتوزيعها لبعض الوقت، لكن محطات الطاقة التي تعمل بالفحم ستستنفد وقودها بعد حوالي خمسة عشرة ساعة، وكذلك محطات توليد الطاقة التي تعمل بالغاز لكن بما أن أحداً لا يتفاعل معها، فإنها ستتوقف لا محالة. وفي الوقت نفسه، ستتوقف محطات الطاقة النووية بعد حوالي عشرة أيام. انهيارات وحرائق في الأماكن التي يسري فيها تيار عالي الجهد سيستمر فيها تدفقه بشكل طبيعي ولكن بعض خطوطه الزائدة ستحترق جراء الفائض في التيار وهو ما لن تتمكن الخطوط الأخرى من تحمله ولن تشم الحيوانات سوى رائحة الشواء. وبعد بضعة أيام من اختفائنا، تتلاشى الكهرباء، مما سينتج عنه حرائق مدمرة في جميع أنحاء الكوكب، جراء الشرر المنطلق من المحولات المتفجرة واحداً تلو الأخرى!هنا يمكن القول، إن الدمار الكبير بدأ بالفعل، ففي المدن الكبيرة، ستتوقف المضخات التلقائية التي تشفط المياه من الطوابق السفلية حيث يوجد المترو وخطوط الهاتف وكابلات الألياف البصرية. وفي غضون ست وثلاثين ساعة، ترتفع المياه إلى السطح وتتدفق داخل الأنفاق والأنابيب ولن تمضي سوى بضعة أسابيع، حتى تتسبب الفيضانات في هبوط الأراضي وانهيار الأحياء بأكملها.وفي الريف، لن تستمر الأسوار الكهربائية قادرة على حفظ بالماشية في أماكنها والمزارع الصناعية، ستتوقف أيضاً الأغذية والمشروبات مما سيؤدي إلى وفاة مئات الملايين من الحيوانات الداجنة. أما القطط والكلاب التي تمكنت من الهروب من المنازل، والبقاء على قيد الحياة جراء الانهيارات والحرائق، فباتت تعاني أيضاً الجوع، لأن هذه الحيوانات آكلة اللحوم يزيد عددها عما يقرب من مئة مرة مقارنة مع عدد الفرائس (فئران الحقول والطيور، وما إلى ذلك ) التي يمكن أن توفرها لهم الطبيعة؟ وهذا هو الحال أيضا لدى الكثير من الحيوانات التي ستعيش على بقايا أطعمتنا مثل الفئران، وطيور النورس والحمام. وبطبيعة الحال، سوف تساعدها مخزوناتنا الغذائية وعلب القمامة في البقاء على قيد الحياة. ومن الناحية النظرية، يجب أن تسمح لها أن تستمر على قيد الحياة لأكثر من عام باستثناء أن جزءاً كبيراً من هذه المخزونات المحجوزة في حظائر الحبوب، لا يمكن الوصول إليها ولذا فإنها ستتعفن بسرعة كبيرة. وحتى لو أن مجزرة الأبقار والدجاج ستوفر اللحوم، وهو ما سيكون فأل خير لبضعة أشهر بالنسبة للحيوانات المفترسة البرية الكبيرة والحيوانات البرية التي هربت من حدائق الحيوان والدببة والذئاب التي باتت تقترب الآن من المدن والقرى دون خوف من وجودنا، إلا أن كل ذلك سيتوقف لأن المنافسة القاتلة ستدمر مئات الملايين من الحيوانات آكلة اللحوم الكبيرة والصغيرة منها. الحياة المسمومة أمام هذا الوضع ستستفيد النباتات بسرعة مدهشة من عدم وجود أخصائيي البستنة للبزوغ من أدنى شرخ في التربة أو الحجر، خاصة أنها ستستفيد من الأسمدة وهي الرماد الناتج عن حرائق الأيام الأولى التي أودعتها الرياح. بل إن استعادة المدن للمساحات الخضراء سيبدو مرئياً جداً، بدءاً من الأسابيع الأولى. لكن لا شيء يدوم، ففي ال 200 محطة من محطات الطاقة النووية في العالم، تم تخزين الوقود المستخدم في برك حتى يصبح أقل إشعاعاً، وبالتالي أقل حرارة، لكن هنا تم تبريده عن طريق المياه العذبة. وبمجرد انقطاع التيار الكهربائي، ستعمل مولدات الكهرباء التي تعمل بالبنزين والمازوت كي تسمح للمياه بالتحرك. ولكن بعد أسبوعين، سيحدث انقطاع في البنزين وستبدأ المواد المشعة بتسخين البرك الراكدة، وستمتلئ محطات التخزين بالبخار المضغوط ثم ستنفجر واحدة تلو الأخرى خلال الأشهر الأولى، قاذفة في الغلاف الجوي كل ما أنتجته من مواد إشعاعية على غرار كارثة تشيرنوبيل أو فوكوشيما في العام 2011. وستصبح الحياة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، مسمومة وتموت الأشجار بالملايين. عودة الطبيعة بعد مرور قرن على اختفائنا، أي في نهاية العام 2117، ستتلألأ السماء مع نجوم «طيارة» غريبة متعددة الألوان. إنها ليست الأقمار الصناعية التي يبلغ عددها 2000 أو نحو ذلك التي تركناها في المدار والتي تتساقط الآن بعد أن تفككت في غلافنا الأرضي منذ عقود، لأنه لم يعد هناك أحد لإبقائها على الارتفاع الصحيح بتشغيل محركاتها عن بعد من الأرض. لا، إنها ال 6000 طن من طبقات الصواريخ المستخدمة، والمسامير وغيرها من الحطام الذي لا يزال يدور حول الأرض. هذه الليلة، بدا الفضاء بالانتهاء من عملية تنظيف نفسه وكذلك الأرض. اختفاء الحيوانات الكبيرة على مدى 10 ملايين سنة، استمر التطور حتى إن العديد من الأنواع البرية المتوحشة ستكون أحفاداً لحيواناتنا المستأنسة التي تكيفت مع المنافذ الإيكولوجية الجديدة التي تحررت جراء اختفاء الحيوانات الكبيرة التي عملنا إلى حد كبير على هلاكها. مثلاً يمكن أن يكون هناك خنازير تعيش مثل الفيلة وفئران بحجم وحيد القرن، أو حتى مجموعة من أنواع الطيور التي لا تستطيع الطيران لأن أسلافها المشتركة كانت الدجاج! ومن خلال دراسة جيناتها، سوف يكتشف هؤلاء الزوار الأجانب أن كل هذه الطيور وهذه الحيوانات العاشبة العملاقة، وهذه القطط الكبيرة وكل هذا التنوع الحيواني، ينحدر من عدد صغير جداً من الأنواع (ربما أربعة أو خمسة) عاشت قبل عشرة أو أحد عشر مليون سنة مضت. وسيكون هناك طبقة جيولوجية غريبة تعود إلى ذلك الوقت، وستحتوي على مواد لا يمكن العثور عليها لا قبل ولا بعد لأنها بقيت بالقرب من السطح ولكن بالنظر إلى عمرها، فقد تم تغطيتها بعشرات أو حتى بمئات الأمتار من الرواسب. الأمر الغريب أننا سنجد فيها حبات الزجاج التي تحتوي في بعض الأحيان على الرصاص (وهذا ما تبقى من نوافذنا)، وأحياناً أخرى على أكاسيد المعادن التي تمنحها الألوان الزاهية. وسنجد أيضاً الخرز المعدني الذي يصعب جداً تأكسده مثل الذهب الذي يتركز حوالي ثلاثة أرباع منه في هذه الطبقة من السطح مع البلاتين والتنتالوم الموجود في أجهزتنا الإلكترونية. العفن يأكل الكتابة والفن ماذا يتبقى من الإنسان وسط كل هذا السيناريو؟أجزاء من المصارف أو البالوعات وأدوات المائدة المصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ، وشظايا من زجاجات وبقايا من البلاستيك دفنت بسرعة كافية حتى احتفظت بحالتها. وعلى الرغم من أنه لا يمكن التعرف إليها بسهولة؛ لكنها تبدو صناعية بشكل واضح. وفي المقابل سنجد أن كتاباتنا وعلمنا وأعمالنا الفنية لم تعد موجودة فالورق تآكل بواسطة العفن (الفطريات المجهرية) في أقل من ألف سنة، وأقراص الفيديو الرقمية الأكثر مقاومة والأقراص المدمجة الأخرى فقدت طبقتها المعدنية الرقيقة، التي نقشت عليها المعلومات التي تآكلت بدورها في قرنين؛ جرّاء التفاعل المشترك بين الأوكسجين والغراء المستخدم في صنعها. وربما لا يزال هنا أو هناك نقش على قاعدة تمثال مدفون أو كهف فيه رسوم تعود إلى عصور ما قبل التاريخ قد تم تجاهلها، وبقيت بعيدة عن الهواء؛ لكن في معظم الأحيان، ذابت ذاكرتنا في الطبيعة أو تبخرت، باستثناء بعض النفايات المشعة! وفي عام 12017، ستكون غالبية مخزونات الوقود النووي المستخدمة أو الأجسام المشعة بدرجة عالية، التي أنتجتها صناعتنا (مثل الصفائح المعدنية والأواني المستخدمة في محطات توليد الطاقة أو في مرافق العلاج الإشعاعي بالمستشفيات) قد أصبحت أقل إشعاعاً من اليورانيوم أو الراديوم الطبيعي. إضافة إلى ذلك، فقد تشتتت هذه البقايا في طبيعتها وخفت حدتها عن طريق التآكل وعوارض الطقس؛ لكن لا تزال هناك تركيزات كبيرة من النفايات المشعة مثل البلوتونيوم في الأنفاق المخصصة لها حيث دفناها. عالم جديد لو كان أحدنا حاضراً بعد 10 آلاف سنة فإنه سيشاهد السيناريو التالي: أحد القطط يقفز على أحد الفئران، لكنه يتلقى منه ضربة مخلب عنيفة تتركه يترنح لبضعة ثوانٍ. هذا الشخص سوف يجد أن الفئران أصبحت كبيرة جداً والقطط ذات حجم أكبر.. وهذا هو التفسير. فمنذ ما يقرب من ألف سنة، تكاثرت العصافير، ونمت بعيداً عن أبراج الحمام العملاقة التي كانت تشكلها مبانينا، ما جعل الحياة أسهل أمام القطط!، ولكن هذا العصر الذي تميز بالترف الكبير قد انتهى منذ آلاف السنين، عندما انهارت أقوى المباني في نهاية المطاف وبعد أن تحول كل القطران والأسمنت والحجر والمعادن غير القابلة للصدأ والبلاستيك إلى فتات. والحقيقة أن المشهد في البرية عاد تقريباً كما كان قبل ظهورنا على الأرض، فالحياة عادت لتتطور من أجل التكيف مع هذا العالم الجديد والغطاء النباتي بات أكثر وفرة، مما كان عليه منذ ما يقرب من نصف مليون سنة أي قبل إزالة الغابات من قبل الإنسان وآخر عصر جليدي.
مشاركة :