الخرطوم - عاد السودان في الفترة الأخيرة إلى اللعب على وتر علاقات الجوار والصداقة التاريخية مع مصر، ضمن مسعى لإزالة الخلافات الأخيرة التي شابت العلاقات السودانية المصرية. ولم يفاجئ الحديث السوداني الهادئ، بعد تصعيد في الفترة الماضية، العارفين بطبيعة نظام الخرطوم وروحية السياسة الخارجية السودانية القائمة على إيجاد توازن تستطيع من خلاله أن تكون محايدة في الصراعات الدولية والإقليمية ومستفيدة من علاقاتها مع دول المنطقة لا سيما مع مصر. وصف وزير الإعلام السوداني أحمد بلال عثمان الزيارة الطارئة للرئيس عمر البشير إلى مصر بأنها زيارة أسست لمرحلة جديدة بين السودان ومصر يسود فيها التفاهم وتبادل المصالح، جازما بأن التأكيد على أن العلاقة السودانية المصرية علاقة يجب أن تنمو وتزدهر في خطاب براغماتي تقليدي يأتي عقب كل تصعيد سوداني ضد مصر لغاية تحددها المرحلة والأهداف وكان وزير الخارجية السوداني أعلن في 3 مارس الجاري عن عودة السفير السوداني في مصر عبدالمحمود عبدالحليم إلى عمله في القاهرة بعد أن تم استدعاؤه إلى الخرطوم في يناير الماضي. وتم اتخاذ هذا القرار إثر اجتماع في القاهرة في فبراير الماضي ضم وزراء خارجية ومديري أجهزة المخابرات لدى البلدين. ورغم عملية سحب السفراء التي تمت بين البلدين، إلا أن الخرطوم والقاهرة لم ترفعا من حدة الخلاف وبقيت أسبابه خفيّة ولم تعلنا عن أسبابه بشكل رسمي، بما أوحى أن لدى العاصمتين حرصا على عدم مفاقمة الخلاف ومعالجة حيثياته عبر الخطوط الدبلوماسية الخلفية الهادئة. غير أن عدم الإجهار الرسمي بأسباب الخلاف لا يخفي ما يعرفه المراقبون من ملفات خلافية بين البلدين. ويقول المتخصصون في العلاقات السودانية المصرية إن الخلافات تتعلق بمواقف البلدين في مقاربة سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا، ناهيك عن الخلاف القديم حول مثلث حلايب، إضافة إلى شكوك مصر في ذلك الرابط التاريخي بين الخرطوم وجماعة الإخوان المسلمين. ويلفت الخبراء إلى أن كأس الخلافات قد فاض إثر تطور العلاقات السودانية التركية وإعلان الطرفين عن اتفاقات تتعلق بالبحر الأحمر لا سيما ذلك المتعلق بمنح السودان جزيرة سواكن لتركيا تحت عنوان الاستثمار والإنماء داخل تلك الجزيرة العثمانية القديمة. لكن مراجع سودانية تكشف أن العلاقات السودانية المصرية أصيبت بانتكاسة كبرى إثر الاتفاقية بين القاهرة والرياض عام 2011 والتي أعلن بموجبها عن تبعية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، ما أدى إلى أن تعيد القاهرة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسودان. وكان السودان قد تقدم عبر بعثته في الأمم المتحدة في فبراير الماضي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي يتهم فيها الحكومة المصرية بالمضي قدما في خططها الهادفة للاستحواذ على منطقة حلايب المتنازع عليها. وشددت الحكومة السودانية في شكواها بمجلس الأمن على أن حلايب أرض سودانية وأن المواطنين السودانيين فيها يتعرضون لانتهاكات كالاعتقال والتهجير القسري. ويجدد السودان سنويا شكواه في مجلس الأمن بشأن مثلث حلايب وشلاتين منذ عام 1958، ويقابل ذلك الجانب المصري برفض التفاوض أو التحكيم الدولي بشأن المثلث الحدودي. غير أن بعض التقارير قالت إن الخلاف حول حلايب بات رتيبا وتتم إدارته بشكل عادي بين الدولتين، والسبب الحقيقي وراء التدهور الذي طرأ على علاقات الخرطوم والقاهرة يعود إلى الاتفاق السوداني التركي الذي قد يمكن تركيا، رغم نفي أنقرة، من إقامة قاعدة عسكرية على جزيرة سواكن السودانية. ودفعت خطورة الأمر مصر إلى نشر قوات لها في قاعدة عسكرية إماراتية في إريتريا، وهو أمر لم تؤكده أي جهات رسمية.
مشاركة :