جاء تكريم الملك سلمان بن عبدالعزيز للكاتبة والأكاديمية السعودية “خيرية السقاف” بمثابة فرصة لكل أبنائها وتلاميذها في مختلف الصحف السعودية لشكرها على مسيرة عطائها الكبيرة وتقديم لمحة للأجيال القادمة عن السيدة التي خاضت الكثير من المعارك في سبيل تحقيق حلمها. وكشفت “السقاف” أن طموحها الأدبي لازال متدفقا وأن تجربتها الأدبية مستمرة، مشيدة بالنقلات السريعة التي تشهدها أوضاع المرأة السعودية حاليا، والتي مكنتها من ممارسة مختلف حقوقها في العمل والعلم والقيادة. وعن تكريم الملك سلمان بن عبدالعزيز لها في مهرجان الجنادرية ومنحها وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، قالت إن ذلك التكريم بمثابة تكريم للمرأة السعودية ككل ونتاج لإبداعها وإنتاجها في مختلف المجالات وثمرة لحصادها في ميادين الإبداع والأكاديمية والإعلام، لافتة إلى أن القارئ كان دائما دافعها للمضي قدما في تجربتها الأدبية وحافز لها على الاستمرار ومواصلة الكتابة التي بدأتها في سن مبكرة للغاية. وأضافت أن جميع الأدباء والكتاب تعرضوا للمعاناة في أواخر تسعينيات القرن الماضي داخل السعودية، وليس النساء فقط منهن، حتى أن البعض فسر بعض عباراتها في مقالاتها بالغموض واتهم تلك العبارات بالإلحاد والوثنية، بل وصل الأمر أن زعم البعض بأن رجلا يكتب لها مقالاتها سرا، كما اعتاد الرجال في تلك الحقبة مهاجمتها على طموحها الخاص بأوضاع المرأة السعودية، إلا أنها صمدت وواصلت كتابتها غير عابئة بمن يهاجمونها رافضة الصدام معهم، ومع الوقت صمت من يهاجمونها بينما استمر إبداعها في التدفق ولازال. وتعد السقاف رائدة في تناول القضايا الجريئة التي لم يكن من المألوف التطرق إليها في عالم المرأة السعودية، ومن أبرز أعمالها “عندما تهب الرياح.. يعصف المطر” والذي ركزت فيه على خصوصية التجربة الحياتية للمرأة السعودية. وأشارت السقاف إلى أنه ليس كل من يكتب في الصحف صحافيا، مشيرة إلى أنها تتمسك بكونها أديبة أولا وأخيرا وليس معنى أنها تكتب مقالات في الصحف أن تتخلى عن هذه الصفة، ضاربة مثالا بكبار الكتاب في الماضي أمثال طه حسين وحمزة شحاته ومحمد حسن عواد، الذين كانوا يناقشون مواضيع اجتماعية ويخوضون في التعليم والتنشئة والحياة العامة دون أن يخرجهم أحد عن دائرة الأدب. وعن تجربتها الصحفية في الثمانينات التي تربعت فيها على قمة العطاء الصحفي، قالت إنها اكتسبت معرفة كبيرة جعلت قسم الصحافة بجامعة ميزوري الأمريكية يعرض عليها دراسة الدراسات العليا به دون أن تضطر لخوض ساعات الدراسة التمهيدية، نظرا لأن كتاباتها كشفت أنها تجاوزت هذه المرحلة. وتولت السقاف العديد من المناصب، حيث بدأت مسيرتها المهنية في الستينات من القرن الماضي، حيث عينت مديرة لتحرير جريدة الرياض لتكون أول صحفية في الجزيرة العربية تتولى هذا المنصب الصحفي، كما عينت كأول وكيلة عميد على مستوى الجامعات السعودية، وعينت عميدة لمركز الدراسات الجامعية للبنات في جامعة الملك سعود. ولفتت إلى أن العمل الصحفي الآن تغير ولم يبق بمفهومه التقليدي، حيث تغير أسوة بكل ما تغير من معارف وخبرات وتقنية ومنجزات، مؤكدة أنها ملمة بكل هذه المتغيرات بهدف التواصل والمعرفة، كاشفة في الوقت أنها لم تفكر في خوض تجربة العمل الصحفي بمعناه الواسع وإدارة التحرير. وبينت السقاف أنها كانت حريصة طوال الوقت في كتاباتها اليومية بالصحف السعودية، ألا يطغى عليها الجمود الذي تواجهه في الكتابات الأكاديمية، معتبرة أن الكتابة بالنسبة لها متعة كبيرة لا تستطيع التخلي عنها بسهولة، وليست كما يراه البعض بمثابة استنزاف لطاقاته. وعن التغييرات التي تشهدها المملكة حاليا، ومدى قدرة المجتمع على التأقلم معها واستيعابها، قالت السقاف إن تغييرات فاعلة تسير على طريق المعرفة والعلم والاستثمار المادي والبشري، وتحقق نوعا من الأمان الوظيفي والمالي للمواطنين سواء من الرجال أو النساء على حد سواء، مؤكدة أن المواطن السعودي سيكتسب الخبر مع الوقت ويكون على استعداد تام لاستيعاب القادم. ولفتت السقاف إلى أن السعودية ستتبوأ مكانتها الفاعلة والمؤثرة التي تستحقها خلال السنوات القادمة، شريطة أن تعمل بجدية على أن تكون ذاتها وليست نسخة جديدة مستوردة. – تصدرت المرأة السعودية واجهة المشهد المسطورة برؤية 2030 هل هذه هي “أبعاد” التي استشرفت خيرية السقاف الإبحار نحوها في زمن ما؟ أم لازال الشاطئ على مرمى البصر؟ = أبعاد لا نهاية لها تلك التي شاغبتني، بددت من عيني نوم الطفلة، أشعلت في الطموح شعلة، صنعت من التطلعات سُلَّمات لمنافات لا سقف لها، منحتني أجنحةً لا جناحين، أخذتني حتى اللحظة في شغف لا ينطفئ، لعمر لا يعرف الأرقام لأيامه، ولا العدَّ للحظاته وثوانيه، زمن يتسرمد في السير الحثيث، لذا كلما لاح شاطئ، وقرب مزار، امتدت الأبعاد إبحارا يضرب في السير، يوغل في المُضي. على مستوى الوطن الكبير، بأبعاد بحره الشاسع فإن الإبحار يلوح بشواطئه في ضوء النقلات المتسارعة التي حظيت بها جميع جوانبه، وفيها ما مكن للمرأة تحقيق طموحاتها، وتمكنها من مجاديف إبحارها نحو شواطئ آمنة لأبعادها، عملا، وعلما، وقيادة، وحقوقا، واعتبارا، وإنجازا، وتقدما. – وسام الملك الأب المؤسس عبد العزيز والذي تكرمت به خيرية السقاف من الملك الأب سلمان ماذا يحمل في مضامينه لها؟ وهل تراه يُكرس التصاقها بخصوصية الأماكن والأرض؟ أم يحمل ترميزا عالميا كون المملكة الآن تخطت الحدود الإقليمية إصلاحا، وتغييرا؟ = بعد رحلة طويلة طريقها شاق، ومآلاتها حصاد صامت لكن شجرته مورفة مورقة، جاء تكريم القائد الوفي بهذا الوسام الرمز كالشربة الهنيئة من نبع إنصافه، وعدله، قلت لمن سألني عنه، إنه تكريم لكل امرأة سعودية كانت لها فسيلتها التي غرستها، وشجرتها التي رعتها، وثمارها التي حصدتها في ميادين الإبداع، والأكاديمية، والإعلام حيث غرستُ، ورعيت شجيراتي، وحصدت ثمارها ولله الحمد. – خيرية السقاف حملت قلما أخضرَ، وسطرت به تاريخا لبنات جيلها في سن غضة ورغم نضج تجربتها التي فاقت سنواتها الصغيرة متى اعتبرت خيرية أن قلمها نضج وهل غيرت نبرة صوتها؟ = ليس لي أن أجيب عن هذا السؤال فيما يخصني، فالإجابة للقارئ، وقد نلت رفقته، وأنبض بالحياة به، لي أن أقول فقط إن رفقة القارئ امتداد، وتعزيز، وثروة، وحصاد، ومكسب إذ كان دافعي، ورفيقي، والحافز لمخيلتي، المنتظر لشغفي، والأريكة لأنفاسي. – في أواخر التسعينات -إن جاز لنا أن نقول- تعالت بعض النبرات الصادمة والمُجرِّمة للأقلام الأنثوية، هل عاشت خيرية السقاف حقبة التجريم، أم اختارت أن تنتقي أحرفا غير صادمة؟ = يا سيدتي جميع الأدباء والكتاب في تلك الحقبة تعرضوا للمعاناة، باختلافها، وبنوعيهم نساء ورجالا، لم ينج من دكن التأويل ُأحد، عني قد فسِّرت بعض عباراتي بالغموض، ووسم أحدهم بعضها بالإلحاد والوثنية، وقيل العلم في الصدور لا في السطور، وظن بعضٌ أن وراء قلمي رجل، هاجمني نفر من الكتاب عن بعض طرح طموحاتي للمرأة، لكنني آثرت الفعل الكتابي إجابة بمضامينه، وصمدت، مضيت نصف قرن لا آبه إلا بحرفي، فأنا شخصية غير تصادمية، يهمني المبدأ، وتعنيني القيم، لقد صمت أولئك، ومضت الساقية بدولابها في إبحارها المنساب نحو الشمس، ولا أزال أقول. – بين النص الأدبي، والمقال الاجتماعي، أين تجد خيرية بصمَتها الأعمق وحرفها الأجرأ؟ = اختلط على كُثر في معمعة النشر، وهيمنة حرفة الإعلام والصحف منها أن يُقرُّوا للأديب سماتَه، ويمنحوه صفاته، فليس كل من يكتب في الصحف صحافيا، ولا كل الكتابات لمن يكتب أدبية، أكتب النص الأدبي باحتراف، وأرفض أن توسم كتاباتي بغير ذلك، وإن كانت تتفاوت المضامين، كان حمزة شحاته، وطه حسين، ومحمد حسن عواد، والزيات، والرافعي، وغيرهم يكتبون الموضوعات الاجتماعية، ويخوضون في التعليم، والتنشئة، والحياة العامة وما أخرجوهم عن دائرة الأدب.. نصي بكل مضامينه أدبيا أجد نفسي فيه، وبصْمتي. – خيرية تربعت في فترة الثمانينات على قمة العطاء الصحفي من كتابة إلى إدارة تحرير إلى تدريب للناشئات في المجال حين لم يكن المجال الصحفي مهيأ، ولا مفتوحا أمام المرأة السعودية كيف كانت تجربتك، وهل مازال العمل الصحفي بمفهومه التقليدي يشغل حيزا من اهتمامك؟ = تجربة من زُجَّت في التجربة وهي غِرَّة، فاكتسبت الخبرة بالممارسة، وظل من يسألها أن تتخلص من أسلوبها الأدبي وهي تكتب تقريرا صحفيا على سبيل المثل، لكن التجربة نضجت، حتى إن قسم الصحافة بجامعة ميزوري الأمريكية، حين عرضت فيها لتجربتي، وهي الجامعة الأولى على مستوى جامعات أمريكا التي أنشأت كلية الإعلام، ناظرت خبرتي بعدد كبير من ساعات الدراسة، وأسقطتها عني في حال إن كنت أرغب في الدراسات العليا دراسة الصحافة، ولم أفعل، أما العمل الصحفي الآن فإنه لم يبق بمفهومه التقليدي ، لقد تغير أسوة بكل ما تغير من معارف، وخبرات، وتقنية، ومنجزات تتعلق بالمهنة وعلومها، وتطبيقاتها، إنني ملمة بكل هذه المتغيرات في المجال لمجرد تواصل المعرفة، لا للعمل فيه. – الحياة الاكاديمية رغم ثقل مسؤولياتها لم تلق بعبئها على رهافة حرف خيرية السقاف، كيف وفقت بين العمل الاكاديمي الذي يحتاج الكثير من التحضير وبين العطاء الاعلامي اليومي؟ = تقصدين الكتابة اليومية، فأنا لا علاقة لي بالإعلام فيما أكتب، يبقى الشق الآخر في السؤال وهو كيفية التوفيق بين الأكاديمية بصرامتها، والكتابة بليونتها، بين الجفاف، والرواء، تلك نفسٌ، ومخيلة، عقلٌ، ودأبٌ، وعزيمة يا سيدتي، وحرص على ألا أخرج من نعيم الفكر بشقَيْه، ولا أنحو عن النفس، وينبوعها. – والشيء بالشيء يُذكر، ألا ترين أن الكتابة اليومية مُستنزِفة للكاتب؟ = ليست بالنسبة لي استنزاف، بل متحٌ من مَعينٍ، ومنحٌ من فيضٍ!.. – جرأة خيرية السقاف فاقت عصرها في التطرق لدواخل حياة المرأة، والمرأة السعودية تحديدا، والتي كانت من “التابوهات” الاجتماعية، لكن الآن نجد كاتبات تخطين حدود “التابو” بمراحل و”عريّن” بعض القضايا، هل الجرأة في الطرح لها مقاييس؟ وأين هو الخط الفاصل بين الجرأة الواقعية الواضحة، والتجرؤ الصادم للمفاهيم، والقناعات الاجتماعية؟ = يسمعك بكل وعي من تخاطبين وعيه بحكمة، وعمق، وتأخذينه إلى منطقة القناعة بجدية ما تطرحين، وجدوى ما تقتحمين بوقار، وثقة، ويصيخ عنك من تهمشين وعيه، وتخدشين ثقته بعدم وقارك.. السؤال الآن: ما حدود الوقار، وقبلا ما مفهوم المجترئين للوقار، وما مدى قناعتهم بما يطرحون إلى أين سيصلون؟! – المشهد في السعودية يحمل ملامح كثيرة، كانت ثم غابت، ثم عادت بوضوح وقوة، كيف ترين تأقلم المجتمع مع التغييرات المتواترة، وهل فعلا نستطيع أن نقول بثقة بأن المجتمع نضج بما فيه الكفاية حتى يستوعب القادم؟ = كل تغيير محرك فاعل، ما نشهده هو تحرك فاعل بكل زخم التطهير، والمعرفة، والعلم، والصناعة، والاستثمار النوعي المادي والبشري، والاستشراف لكل خطوة نحو الأمان الوظيفي، والمالي، والمعاشي، للنوعين على حد سواء، لذا سيكتسب الناس الخبرة، وستصقل فيهم بمحكاتها المختلفة، وسيكونون على استعداد تام لاستيعاب القادم. – أين ترين المرأة السعودية في السنوات القادمة، وما هي أكبر مُحفزات تمكينها حتى تواكب هذه النقلات النوعية؟ = في مكانها الذي لها أن تكون فيه، فاعلة ومؤثرة، ولكي تواكب أي نقلة نوعية بنجاج وتمكن عليها ألا تخلط الأوراق، وأن تدرك يقينا، وتعمل بجدية على أن تكون ذاتها لا نسخة جديدة مستوردة. – الرواية الطويلة أين موقعها في أدب خيرية السقاف، وهل لها مكان في منظومة العطاء أم أن خيرية مع التخصص والتوجه الأوحد في اختيار النصوص؟ = حياتنا كلها رواية طويلة، هناك من له شغف بإعادة تدوينها وفق قدراته في صناعة منبثقة من ذوات كثيرة، ومفاصل وقت، وخبرات عديدة، لا أحسب أنني فكرت في هذا إلا ذات مرحلة، ظننت حينها أنني سأكتبها عن حقبة ما، لها سماتها المؤثرة فيَّ، ولها أحداثها التي أعرف، ولها شخوصها الطيوف تتحرك أمامي، ثم تجاوزت هذا الظن، فمزقت ورقاتها.. أكتب القصة، وأحيانا الشعر.. لكنني التحمتُ بالمقالة، هي قاربي، اختارت لغتي الإبحار بها.. ولسوف تكون للمقالة ذات يوم أعناق تتشنف، وغواصون نحو أبعادها يبحرون. ——————————————— المصدر : أومنيس ميديا @OmnesArab
مشاركة :