احتدم النقاش في المغرب مجددا حول المساواة بين الجنسين في الميراث. ويبدو أن الموضوع لم يعد من التابوهات الاجتماعية والدينية، إذ تصاعدت الأصوات المنادية بتعديل قوانين الميراث حتى تتماشى مع التحولات التي يعرفها المغرب. صورة أرشيفية. "ماذا أفعل بشِبْر أرضٍ؟" تقول فتيحة (اسم مستعار) لـDWعربية، وتضيف: "اللهم السكينة والمحبة أو العداوة مع الإخوة". فتيحة امرأة مغربية، ربة بيت، وفي رصيدها 50 عاما من الصبر والصمت على تقسيم مساحات أرضية تركها والدها لإخوتها العشرة؛ نساءً ورجالاً. ولدت فتيحة في شمال المغرب، ولحدود الساعة تُفَضل ألاَ تفتح ملف تقسيم الميراث وعدم الدخول، هي وأخواتها النساء، في صراع مع إخوانهن الذكور، الذين أخذوا معظم الأراضي الموروثة عن أبيهم المتوفى والتي يستغلونها كيفما شاءوا، حسب روايتها. فتيحة ليست المغربية الوحيدة التي تعاني من "ظلم" إخوتها في مسألة الميراث. فكثيرات في البلد لم يحصلن على حقهن في الميراث أو حصلن على نصف ما حصل عليه الذكور استناداً للآية 11، من سورة النساء بالقرآن والتي تنص على أن "للذكر مثل حظ الأنثيين". هذه الآية التي يعتمدها المشرع المغربي في توزيع الميراث، باتت تثير جدلا واسعا، خاصة بعد ظهور العديد من الداعين إلى تجاوز هذا النص نظرا للتحولات الاقتصادية والاجتماعية وكذلك السياسية التي يعرفها المغرب. قضية المساواة في الإرث ومراجعة أحكام الإرث بالتعصيب (وهي قاعدة مثبتة في مدونة الأسرة تفرض على الوارثات اللواتي ليس لهنَّ أخ ذكر، اقتسام ممتلكاتهن مع الأقرباء الذكور للأب المتوفى، ولو كانوا أبعدين) هي استكمال لمسلسل من الدعوات لمنظمات حقوقية وجهات نسوية طرحت الموضوع إلى الواجهة وجعلته محط نقاش باعتباره "ظلما للمرأة وانتزاعا لحقها في المساواة مع الرجل وانتقاصا من قيمتها أيضا". دعوة قديمة في حلة جديدة كان خروج الباحثة والكاتبة المغربية أسماء لمرابط من رئاسة "مركز الدراسات النسائية في الإسلام"، التابع للرابطة المحمدية لعلماء المغرب، بداية لتجديد مطالب إرساء المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث. لمرابط قدمت استقالتها بعد ظهورها الإعلامي يوم 17 مارس 2018، والتي دعت فيها إلى المساواة في الميراث بين الجنسين. وقد تصاعد النقاش بين مؤيدين لمبدأ التساوي في الميراث ورافضين لما "حسمت فيه النصوص المقدسة". تدوينة نشرتها الكاتبة والصحافية المغربية سناء العاجي عام 2015. لمرابط، المعروفة بمواقفها الجريئة فيما يخص تحليل النص الديني، أكدت خلال مناقشتها لكتاب "ميراث النساء"، في الجامعة الدولية بالرباط، أن "إعطاء حصة متساوية للمرأة في الإرث في عمق مقاصد الإسلام، وليس ضده". كما دعت في مداخلتها إلى "إنشاء لجنة ملكية يتناقش فيها الكل، كما تم الأمر بالنسبة لمدونة الأسرة "، حسب منابر إعلامية مغربية. وتجدر الإشارة إلى أن موضوع الميراث عرف طريقه إلى النقاش عام 2015 في المغرب، لَما طرح المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقريرا يتضمن توصية حول المناصفة بين الرجل والمرأة في نظام الإرث. ولاقى التقرير حينها نقدا لاذعا، كان أبرزه ما صرح به عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المغربية حينذاك، إذ اتّهم المجلس ورئيسه بـ"إثارة الفتنة". وعلل بنكيران موقفه هذا، ضمن حوار بث على "قناة ميدي 1 تي في" المغربية حينها، معتبرا أن "الإرث دينا وليس سياسة، وبأن الله تعالى حسم الموضوع بقوله "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين." عريضة للمساواة باسم المثقفين الكاتبة ليلى سليماني والباحث في شؤون الإسلام رشيد بنزين والممثلة لطيفة أحرار فضلاً عن أسماء لمرابط ومثقفون آخرون من مجالات مختلفة، وقعوا على عريضة تدعو إلى "إنهاء التمييز ضد المرأة في قوانين الميراث"، وبالخصوص "قاعدة التعصيب" التي يرَوْنَها "ظالمة". العريضة التي وُقعت يوم الأربعاء 21 مارس/ آذار 2017، دعت إلى إلغاء "التعصيب" باعتباره أمرا تقديريا وليس فيه نصا صريحا مثل النصوص التي تتحدث عن الإرث بالفرض. الموقعون على العريضة أوضحوا أيضا أن "الأسرة المغربية تقتصر في أغلب الأحيان على الوالدين والأبناء... ولهذا يصبح مبدأ التعصيب ظالما". وفي هذا الصدد قدمت العريضة مثال "اليتيمات اللواتي ليس لهن أشقاء، وعليهن (بحسب قاعدة التعصيب) أن يتقاسمن الإرث مع أقرب الذكور إلى المتوفي (..) حتى إن كانوا مجهولين ولم يسبق لهم الاتصال بالأسرة". في هذا الاتجاه، تحدث الصحافي عمر إسرى لـDWعربية، قائلا: "الدولة بمفهومها العصري تتعامل مع المواطن بغض النظر عن دينه" ويضيف: "الدين لله والوطن للجميع، فكيف نطبق مثلا الإرث بالتعصيب على أسرة مغربية اعتنقت المسيحية؟". لا فرق بين ذكر وأنثى إلا في الميراث! على خطى التونسيات اللواتي نزلن إلى الشارع قبل أسابيع رافعات شعار "المساواة في الإرث حق مش مزية" (المساواة في الإرث حق وليس ميزة)، وضعت مغربيات كثيرات هذا الشعار على صورهن الشخصية في "فيسبوك". الصفحة الشخصية للشابة ليلى كانوني على "فيسبوك". ليلى كانوني، شابة مغربية في العشرينات من عمرها، تحدثت لـ DWعربية عن السبب وراء إقدامها هي الأخرى على هذه الخطوة قائلة: "أريد الدفاع عن المساواة في الإرث بين المرأة والرجل"، مضيفة "مادام الكل إنسان... فالإرث يجب أن يقَسَم بالتساوي". وكانت الأمم المتحدة قد أصدرت تقريرا حديثا، أقر بوجود "تمييز كبير" بين الإناث والذكور في نظام الإرث بالمغرب، ونص التقرير أيضا على أن 33 في المائة من النساء يؤيدن تغيير قانون الميراث من أجل المساواة بين الجنسين، مقابل تأييد 5 بالمائة فقط من الرجال المغاربة لهذا التغيير. وفي هذا الصدد، يقول الصحافي إسرى: "قام المغرب بإصلاحات مهمة في مجال المساواة بين الرجل والمرأة، ويجب عليه مواصلة السير قدما في هذا الاتجاه". ويضيف موضحا الكيفية التي ينبغي الاعتماد عليها لتحقيق هذا المطلب: "عن طريق الاجتهاد، والالتزام بالتشريعات الدولية التي صادق عليها والتي تنص على ضرورة القضاء على كل أشكال التمييز بين الجنسين". مريم مرغيش
مشاركة :