شدّني كثيراً غلافُ الكتابِ الّذي يوحي لك للوهلة الأولى أنه إبحار في محيطٍ جديد لم يألفه القاريء من قبل، حيث شكل القارب الغريب والبحر الغريب والخلفية الغريبة أيضا _ غموض يكتنفه غموض _ يجذب القاريء لسبر أغوار الديوان لإكتشاف سر جميع تلك المجاهيل . فيُطالعنا الإهداء بأبياته الشعريه الساحرة والتي تُجدف بنا نحو ساحل الحب المتلاطم الأمواج في صورة ديوان. من جماليات شعر الصحيّح الملفتة كعادته إختلاق الصور الجديدة والمبتكرة للحب ، واشتقاق المفردات والجمل الحصرية لذائقته المتفردة ، كدلالة مشهودة لوحيٍ خاصٍ به هو وهو فقط . فعباراتٍ ك : المُتشجّر بالكائنات -ومُرابط على ثغر الحياة -والقصيدة نجمة الأرض الأخيرة -ومُدن مأهولة بالهجاء -ونِبالٌ مشروخة من كنانة (الملك الضلّيل)- وشظية من مرآة بيروت -وقدّيس البهجة -وفي حرم الشاعر البدائي -و فقيه النور -والكثير الكثير من مجازاته المبهرة تجعلنا نرتقي في عنفوان الدهشة لهول الصورة التخيلية التي يبحر بنا إليها ويسُوحنا معها نحو الملكوت الذي ترتقبه أرواحنا وأحاسيسنا منذ شرارة الحياة الأولى . قدرته العجيبة تلك تصوغها مَلَكة إلهية بحتة لايَسمح لها بالتدفق إلا إجتهاد الشاعر المضني وتجاربة الثرية في استدرار الخُلاصات . يعتبر الصحيّح بلاشكٍ وطنٌ لإرهاصات إبداعية متجددة يُشار إليها بالبنان كفيلة بأن تجعلنا نترقب جديده بين الفينة والأخرى لنستمتع بذائقته ذات المستوى العال والبُعد الثقافي المتقدم ،برغم انتهاله المتكرر والذي لايخلو من التعقيد أحياناً من معين التراث الماضي في مجازاته ك : خبالاً يا (امرأ القيس ) انعطف بي لدارة جُلجُل أحيا خبالي . وشاطرني هنالك ماتبقى بإبريق المسرة من ثمالِ وفي الحب له صولات وجولات أُشتهر بها بل وتميّز ، تُلهب الشوق والحنين في ليل المحبين فهاهو يُثير الحفيظة عن تحفظها في قصيدته (حديقة بلا غناء ): لم ننعقد في الهوى نبضا وعاطفةً حتى انعقدنا به خلقا وتكويناً فإن تكوني صلاة كنت فاتحةً وان تكوني دعاءً كنت آميناً . و في قصيدته الماتعة (لصورتها أغني) : دعيني أحتفي مِلء انبهاري بصورتك التي صنعت نهاري بصورتك التي قد غازلتني مغازلة البنفسج للكناري بصورتك التي أسعى إليها كما يسعى الحجيج إلى مزار ِ وغيرها من القصائد المثيرة للإهتمام وإن كانت لاتخلو من المشاغبة الذكورية في بعضها . فهذه أبياته في قصيدته (نبال مشروخة من كنانة الملك الضلّيل )يتصارع فيها شعوره بالحب مع ماغيم على الحقبة السالفة من الغلو والتشدد الغير منصفين في استلهام المشاعر الراقية واستعطافها فقد كان الحب برغم عفته مغتالا وموؤودا بالنسبة له ولكثير من أبناء جيله وعبر عن ذلك بقوله : نحبُّ ؟! بلى نحبُّ وكم جرحنا بهمس عباءة ورفيف شالٍ وأطول مايضل الحب حياًّ إذا ماجاء في شكل اغتيال غريبان التبسنا في لقاء أثيري بمنعرج الخيال كلانا في سواد الوقت ألفى مجرة عمزه ذات اختلال أراوغ صحوة الكهنوت حولي وماحشد الولاة من السَّعالِ ومابين الدخول وبين قلبي بكى كل المحبين الأوالِ ويبهرك أيما إبهار عندما يحشد لك متلازمات تأريخية وحضارية متنوعة اجتذبها بذكائه من هنا وهناك في تراقص محرك للشعور . فقصائدة ذخيرة ديموغرافية واضحة لحقبة كاملة عاشها الشاعر تصف سوسيولوجيا الواقع بدقة متناهية ستعُّد مرجعية لأجيال قادمة حتماً كتابٌ يستحق الإقتناء فعلاً لنجاح الشاعر في تتبع ذائقة الشارع المُؤاتي ومايلائم أحاسيس اللّحظة . نتمنى له مزيدا من الألق والتميُّيز ليَحِيك لنا مِغزلَ حياةٍ لم تـُولد بعد ومُثلٌ سامية تنتظر التجسد .
مشاركة :