الرياض - لا يخفي المسؤولون الأميركيون، ومنذ عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الأب، أنهم يدعمون فكرة أن تبدأ السعودية معركة حقيقية وسريعة مع المتطرفين داخل مناهج التعليم باعتبارها الفضاء الأكثر تأثيرا على عقول الطلاب، الذين تظهر الإحصائيات أنهم الأكثر تأثرا وانصياعا وراء الأفكار المتشددة، التي لا تكتفي بسلب عقولهم بل تدفعهم إلى الانضمام للتيارات المتشددة في مواطن النزاع. ويدعم الأميركيون الإصلاحات التي تشمل مختلف القطاعات الحيوية مثل التعليم والمرأة وإدخال السياحة والترفيه من أجل كسر سيطرة الفكر المتشدد على حياة السعوديين. وتعهد ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بالمضي قدما نحو إعطاء الأوامر بالمزيد من تطوير المناهج التعليمية في المملكة عبر إعادة صياغة المناهج الدراسية وتطهيرها من ملوثات الفكر التكفيري الذي يحث على الكراهية ومناصبة العداء لقيم الحداثة والتطور. ويأتي هذا التركيز على ضرورة تطوير المناهج الدراسية ضمن الحملة التحديثية الإصلاحية التي يقودها ولي العهد السعودي، وتشمل خيوطها العريضة وأبعادها الراهنة والمستقبلية، محاصرة كل أسباب التطرف، وملاحقتها في أوكارها وحواضنها مثل المقررات المدرسية التي من شأنها أن تكون البذرة الأولى في زرع الذهنية التكفيرية والثقافة العدائية البعيدة عن روح المجتمع وقيمه الشعبية الأصيلة. الأميركيون يدعمون الإصلاحات التي تشمل مختلف القطاعات الحيوية من أجل كسر سيطرة الفكر المتشدد على حياة السعوديين ويذكر أن المملكة قد سبق لها أن أجرت حزمة إصلاحات في المناهج التربوية بغية تنقية الكتب المدرسية من المواد ذات المنحى المغالي إلى حد التطرف في الدروس الدينية وغيرها، وذلك عام 2005 في عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، وما تزامن في تلك السنوات من نهوض لحزم دولي وإقليمي في محاصرة آفة الإرهاب، لكن هذا الأمر لم يكن كافيا وكان على المملكة أن تتبعه بجهود وبطرق أكثر دقة وشمولا، وهو ما استدركته خطة ولي العهد الحالي ضمن مسيرة التطوير والتحديث مستعينة بخبراء ومتخصصين. ويبدو أن نفوذ المتشددين من رجال الدين لم ينحصر بالشكل المأمول، واستمر من هنا وهناك تأثير الفكر الإخواني الذي يتهيأ للانقضاض على الرؤوس الطرية في التعليم الابتدائي والثانوي، وهو ما تقر به الحكومة السعودية وتؤكد أنها تمضي قدما نحو معالجته وإصلاحه بشكل كامل وفعال. لكن المراقبين ينظرون بنوع من الحذر إزاء بعض التقارير المنتقدة للمناهج التعليمية في المملكة، وتحاول الفصل بين الحقيقة والمبالغة والتوظيف السياسي، خصوصا وأن ولي العهد السعودي ما انفك يكرر ضرورة الحسم والتخلص من كل رموز وأتباع ومنظري الفكر الجهادي في المملكة. ووسط هذه الشفافية السعودية العالية في الإقرار بمواقع الخلل في المناهج التعليمية من ناحية، والعزم على المضي قدما نحو الإصلاح واجتثاث الأورام الإخوانية الخبيثة من المقررات المدرسية في المملكة، قالت هيئة رقابية حكومية أميركية إن السعودية لم تحرز تقدما يذكر في حذف المناهج الدراسية التي تحض على العنف والكراهية تجاه الأقليات الدينية وغيرها، مشجعة الرياض على معالجة هذه القضية بجدية أكبر. تجفيف منابع التطرف تجفيف منابع التطرف جاء ذلك في دراسة جديدة لمجموعة منتقاة من الكتب المدرسية في السعودية، قالت فيها اللجنة الأميركية للحريات الدينية الدولية في بيان يوم السبت الماضي إنها قارنت 12 كتابا دينيا كانت ضمن المنهج الدراسي بالمدارس الثانوية في 2017-2018 مع نسخ من الفترة 2012-2014، وزعمت هذه الدراسة أن الكتب الحالية “لا تحتوي فقط على عدد من الفقرات المتعصبة والتحريضية، بل تحتوي كذلك على عدة فقرات يعتقد على وجه الخصوص أنها حذفت من كتب سابقة”. وذكرت هذه اللجنة أن من أمثلة المحتويات التي وصفتها بـ”المتعصبة” في بعض المقررات التعليمية السعودية، فقرات تمجد “الجهاد” باعتباره قتالا ضد غير المسلمين وتنص على قتل المرتدين وغير المسلمين وتحذر المسلمين من مصاحبتهم. متخصصون ومطلعون على المناهج التعليمية الجديدة في المملكة، يرون أن في هذا الحكم الكثير من المبالغة والتجني، لكنهم يقرون بأخطاء وسقطات وقعت في الماضي، ويؤكدون أن المملكة ماضية بوتيرة متسارعة نحو الإصلاح والتطهير من مخلفات السلفية. السعوديون يعلقون آمالا كثيرة على هذه الإصلاحات التي وصفوها بالثورية والتي لا بد منها، ولا يبالون بما إذا كانت مراجعة اللجنة الأميركية تتماشى مع تقرير أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش، العام الماضي وقالت فيه إن مراجعة للكتب الدينية الصادرة من وزارة التعليم السعودية للسنة الدراسية 2016-2017 تحض على التعصب، فالمهم -برأي تربويين سعوديين- أن تمضي الإصلاحات في اتجاه تنظيف المناهج من كافة أشكال التطرف. وقال مراقبون -عكس ما ذهبت إليه هذه اللجنة- بأنه قد تم إحراز تقدم على مدى الخمس عشرة سنة الماضية في إصلاح الكتب المدرسية بالمملكة حين أطلق الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز عملية إصلاح للمدارس والجامعات الحكومية في 2005 في إطار إصلاحات تهدف إلى تقليص نفوذ رجال الدين وبناء دولة حديثة وتوفير فرص عمل. وقال دانييل مارك، رئيس اللجنة الأميركية للحريات الدينية الدولية إن اللجنة تحث الكونغرس والإدارة الأميركية على إعطاء الأولوية لإصلاح الكتب الدراسية في إطار تعاونها مع السعودية، خصوصا في ضوء تقدم الحكومة في مجالات أخرى للإصلاح. وفي الأسبوع الماضي، قال وزير التعليم السعودي أحمد بن محمد العيسى إن الوزارة تعمل على محاربة الفكر المتطرف من خلال إعادة صياغة المناهج الدراسية وتطوير الكتب المدرسية وضمان خلوها من منهج جماعة الإخوان المسلمين. وأضاف أن الوزارة ستقوم “بمنع الكتب المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين من جميع المدارس والجامعات، كذلك إبعاد كل من يتعاطف مع الجماعة أو فكرها أو رموزها من أي منصب إشرافي أو من التدريس”. وفي المقابل، تعهد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بتقديم صورة أكثر اعتدالا للإسلام في إطار خطة شاملة للتحديث والتطوير في المملكة التي هي في الأصل ليست بعيدة ولا غريبة عن مظاهر الحياة الطبيعية الحديثة، مذكرا في مقابلة تلفزيونية بأن “السعودية الحقيقية هي ليست السعودية خلال الأربعين عاماً الأخيرة، بل السعودية في الخمسينيات والستينيات”، وأضاف الأمير السعودي الشاب “قبل عام 1979 كنا نعيش حياة طبيعية وكانت النساء يقدن السيارات”. ويشير مراقبون ومحللون لخطابات ولي العهد السعودي إلى أنها تتميز بالثقة في القدرات الوطنية والكفاءات المحلية من جيل الشباب الذي تؤكد غالبية الدراسات أنه من أكثر الشباب العربي تفاعلا وتناغما مع الحاضر والمستقبل، وأبعده عن الأفكار السلفية والجهادية مقارنة بمحيطه الإقليمي، وفق إحصائيات ظهرت بهذا الخصوص. وتتفق التقارير المواكبة لمسيرة التحديث والإصلاح في السعودية على أن الأمير محمد بن سلمان يؤمن بالشباب، ويعرف التعامل معه وخلق الريادة وحل المعضلات. وقد حققت السعودية قفزات استثنائية في تولي الشباب ذي الكفاءات مسؤولية الملفات المعقدة. مقالات ذات صلة
مشاركة :