القاهرة - رغم النجاح الذي حققه فيلم "زهرة الصبار" في الكثير من المهرجانات الدولية، إلاّ أن الإقبال الجماهيري عند طرحه في دور العرض يبقى رهينة مدى تقبل الجمهور لمشاهدة مثل هذه النوعية من الأعمال التي تدور في فلك "سينما المؤلف"، وتأثر الموسم السينمائي بالركود الراهن لعدم وجود أفلام تنعش السوق. وتأخذ هالة القوصي مؤلفة ومخرجة “زهرة الصبار” المشاهد في رحلة لعالمها الذي درست من خلاله علم “فنون الصورة”، ما أضفى على فيلمها الاهتمام بالتشكيل في تكوينات المشاهد وكأنها ترسم لوحات فنية من أعمالها، بتركيز على الصورة قبل المضمون، وهو ما طغى على أحداث الفيلم. وتندرج التكوينات الجمالية التي قدّمتها القوصي في فيلمها تحت مظلة “سينما المؤلف” أو “سينما النخبة”، التي تقدّم نظرة ثقافية يهتم صاحبها بتقديم فكرته من منظور إبداعي وفلسفي معين قد لا يتّسق مع الذوق المصري بعد أن غلب عليه طابع السينما التجارية التي تتراوح بين دراما الأكشن والكوميدي. ويتأكّد الخلل في سيناريو “زهرة الصبار” وانفصاله عن الأفكار التحرّرية التي تريد القوصي التعبير عنها ومفهوم “الحرية”، كما ورد على لسان مؤلفته ومخرجته، عقب عرض فيلمها في مهرجان أسوان لسينما المرأة. وقالت القوصي حينها “إذا كانت هناك صعوبة للمشاهد في تلقي الرموز، فليس معنى ذلك أن تتجاهل نوعية السينما التي نريد تقديمها”، ما يعني أنها تبحث عن تقديم سينما لذوقها الخاص، بغض النظر عن ذوق الجمهور العام. المخرجة هالة القوصي تهتم كثيرا بالتشكيل في تكوينات مشاهد فيلمها المخرجة هالة القوصي تهتم كثيرا بالتشكيل في تكوينات مشاهد فيلمها الخط الآخر الذي كانت القوصي تريد التعبير عنه يتمثّل في النظرة النسوية لمجموعة من النماذج الأنثوية التي ظهرت في الأحداث، وكان الارتكاز المحوري فيها لشخصيتي “عايدة” التي لعبت دورها الفنانة سلمى سامي، و”سميحة” التي قدّمتها الفنانة منحة البطراوي وسبق أن حصدت من خلالها جائزة أفضل ممثلة في مهرجان دبي السينمائي الدولي، فضلا عن جائزة لجنة التحكيم التي حصل عليها الفيلم ضمن فعاليات مهرجان أسوان لسينما المرأة. وشخصية سميحة، التي قالت القوصي إنها أضافتها إلى الفيلم بعد أن أعادت كتابة أحداثه إلى ما يقرب من 14 مرة قبل وبعد ثورة يناير 2011، تبدو المنطقة الأكثر إشراقا في الأحداث، وهي سيدة في خريف العمر تتمتّع بخفة ظل وانطلاق جعلاها متحرّرة في تصرفاتها وتحاول جلب عايدة جارتها الفتاة الثلاثينية البائسة إلى عالمها الخاص. وهنا تقدّم مخرجة العمل نظرة لحياة السيدات في خريف العمر اللاتي يأنسن للوحدة، يتمتعن بالحيوية التي لا يوجد لها مثيل عند من هن أصغر سنا، مثل عايدة التي تعيش إحباطا في الحب والعمل اللذين جعل علامات الحزن المسيطر الرئيسي على وجهها. ومع أن القوصي نجحت في صناعة شخصية مبهجة ومثيرة للاهتمام مثل سميحة، فإن هذا النجاح أحدث قدرا من التشويش مع صياغة شخصية عايدة. والمأزق الأول في شخصية عايدة التي تجسّدها سلمى سامي يكمن في عدم وجود كاريزما خاصة بها على الشاشة تخلق مساحة من الجذب والتفاعل معها، كما حدث مع سميحة، ويزداد المأزق بسبب عدم معالجة الشخصية وتأزمها بشكل واضح، حتى أن علاقتها بوالدتها، التي عاشت منفصلة عنها ثم عادت إليها، لم تتضح جليا وبدت بعد العودة عادية، ويمكن تفسير ذلك برفض أفراد العائلة للمسار الذي سلكته الابنة في عالم التمثيل متجاوزة طموحاتهم الشخصية. كل ما عرفه المشاهد عن شخصية عايدة أنها ممثلة تطمح في الحصول على فرصة بالأساس، وفي نهاية الأحداث يفاجأ بانضمامها إلى إحدى الفرق المسرحية الشابة للعمل معها. وتلك الصورة لو ارتكزت مخرجة العمل عليها طوال الأحداث لكان بإمكانها تقديم شخصية بصياغة أفضل بدلا من استهلاك مشاهد العمل في ظهور أشخاص في حياة عايدة من الممكن الاستغناء عنهم، مثل ظهور صديقتها القديمة في أحد مشاهد العمل بعد أن ارتدت النقاب. والشاب “يس” الذي يقوم بدوره روان العزب، هو الشخصية الأفضل بين هذا الثالوث الذي صيغت منه تركيبات عمرية تمزج بين أحوال ومراحل الزمن ممثّلة في سميحة سيدة الماضي التي تحمل عبقه، وعايدة التي تمثّل أزمات جيل منتصف العمر، وأخيرا يس الذي يمثّل حماسة الشباب وثوريته. ويبدو يس في الأحداث كأنه رمانة الميزان بين شخصيتي سميحة وعايدة والمعين لهما على صعوبات الحياة، بعد أن تم طردهما من المسكن الذي كانتا تقطنان فيه. وكانت هذه الشخصية نقطة مضيئة وسط الأحداث، ومع ذلك تم اختزال جزء كبير من الشخصية، واختصرت في مشهدي ما قبل نهاية الفيلم، الأول ظهر فيه بصورة مطرب “راب” يتحدث عن الحرية، ثم مشهد آخر بدا فيه منبطحا على الأرض وتقوم قوات الأمن بضربه بشكل تعسفي وكأن حرية الشباب لا تزال منقوصة. ويختتم الفيلم بمشهد بصوت يس الذي يعلن فيه عن إنشائه إذاعة محلية تصبح صوتا لكل الجمهور في محافظات مصر، في إشارة إلى حلمه بأن يكون هناك صوت لكل مواطن في الشارع.
مشاركة :