الدحة والسامري والربابة

  • 11/17/2014
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

هل الجَدّ الفعل الصحيح دائماً أم أن الروح بحاجة للتبسط والبهجة؟ سؤال غاب عن بالي لكنه عاد عاصفاً، فيما يبدو. فُتِح باب الطائرة عندما وصلنا للجوف عصراً، وإذا درجة الحرارة تتجاوز الثلاثين بقليل. وكنت أمني النفس بتلقي تباشير الشتاء بنسائم باردة، وسرعان ما انشغلنا فيما أتينا من أجله، وفي اليوم التالي لبينا دعوة كريمة لغداء صحراوي، سِرنا باتجاه حائل نحو ساعة، وبعدها وجدنا المخيم بانتظارنا، أما المفاجأة السارة فكانت بعد المغرب، فتحلقنا حول شبة النار، على أنغام الربابة يعزفها شاب جميل الصوت خفيف الروح؛ يلاعبها ببراعة، مردداً أشعاراً جميلة من المتوارث النبطي، وعلى الرغم من تنوع ما يحفظه إلا أنه وقع بين مجموعة من حفظة الشعر، فأخذ كل منهم يرمي الشاب بقصيدة، بل إن أحدهم كتب أبياتا وطلب من الشاب انشادها. كانت جلسة ممتعة، لكن أزف وقت رحلتنا فغادرنا نجرجر الأرجل، فقد مَرّ الوقت سريعاً، وكانت البهجة والابتسامة تحتلان الوجوه وتسيطران على المكان والزمان وقبلها، أي بعد الغداء، كنا قد استمتعنا بفنون شعبية شمالية، مثل "الدحة". الموروث الشعبي متنوع في المملكة، أما الاهتمام به فيبدو أنه لم يصل للشرائح الشابة، فقد كان سؤال يردده الحضور: مَنّ مِنّ الشباب يجيد هذه الفنون؟ سألنا الشاب عازف الربابة، هل أمر عزف الربابة شائع بين الشباب؟ أجاب بالنفي، وبالنسبة له فيبدو أن ميوله ورغبته الشخصية أخذاه، ولعله شاهد وهو صغير أحد أقربائه يعزف فتأثر به. فما سبب القطيعة بيننا وموروثنا الشعبي؟ لعل أحدكم يقول: ليس من قطيعة، فنحن نأتي بمن يؤديه في المناسبات. نعم، نأتي بمن يؤديه لكننا لا نؤديه بأنفسنا، في حين أن الموروث الشعبي في الأصل يؤدى من قبل الأهالي بأنفسهم في الحرب والسلم، فإن كانت العرضة رقصة للحرب، فإن العديد من الفنون هي للتسامر وقضاء وقت بهيج بمشاركة مجاميع من أهل البلدة أو القرية، خذ مثلاً فنون مثل السامري والخماري أو الفنون الفنية البحرية، فالنهام لم يك يقوم بذلك لوحده، بل بمشاركة كل من على السفينة. ولا اعتراض على جلب الفرق المحترفة لتأدية تلك الفنون، لكن السؤال أن الاقتصار على ذلك جعل بيننا وبين فنوننا المتوارثة بوناً غير مبرر. لكنه أمر استجد، فأذكر أننا في سمراتنا أيام الشباب كنا نُمارس تلك الفنون الجميلة النابعة من بيئتنا، كنا نردد فيها أشعاراً وأهازيج تتناول اهتماماتنا وتاريخنا وقصصنا وغزلنا بل وحتى آلامنا. وما دام الشيء بالشيء يُذكر، فأذكر أن أحد الأصدقاء الأفاضل دعاني ضمن مجموعة كبيرة لقضاء أمسية في مزرعته، فبينت له رغبتي الأكيدة للحضور ولكن بُعدّ المسافة قد يحول دون ذلك، فأجاب: عندي مفاجأة لكم. وتحت إصراره ذهبنا فرادى وزرافات، فقضينا الوقت حتى المغرب في سواليف، وبعد المغرب وحتى العشاء في غِذاء، وبعدها أتت فرقة شعبية متمكنة بالفعل (فرقة صالح الفرج)، إذ يبدو أن أعضاءها من محبي الموروث الشعبي على الرغم من تقدم بعضهم في العمر وسعة حفظهم، أما مضيفنا فقد اشترط بإصرار أن نشارك الفرقة، فكان له ما أراد، وكانت الكثرة منا مترددة في المشاركة، لكن ما أن تبدأ حتى تأخذك مشاعر بالبهجة، ليس لما تقوم، بل لأنك جزء من مجموعة مبتهجة تسيطر البسمة على محياها، فتصيبك العدوى، وما أحوجنا للبهجة وأن نشترك في صنعها، فلن نحصل عليها من متابعتها من مقاعدنا، وما أجمل أن ننقلها لأبنائنا، كما تلقيناها من آبائنا.

مشاركة :