لم تكن ريم بنّا ضيفة حاضرة في شاشاتنا الصغيرة إلا نادراً، فهي لم تقدم ما هو سائد ولم يكن غناؤها نغماً تجارياً تترجمه الفضائيات ربحاً مالياً. مع ذلك فهي حققت مع عدد من زميلاتها وزملائها حضوراً كثيفاً وعميقاً في وجدان الناس الذين غنت لهم وعنهم انطلاقاً من جليل فلسطين. معادلة عسيرة حققت ريم بنّا وتجاوزت شروط النكبة، ومنها شرط غياب الغناء أولاً بسبب تشرذم الشعب المنكوب، ثم تغييبه طويلاً بسبب قسوة البنية الاجتماعية التي تزداد تعقيداً أمام فتاة جليلية تعيش في ظل احتلال استيطاني يسرق الأرض، ويضع في البيوت ساكنين أتوا من بلاد بعيدة. هكذا نبت فن ريم في الجليل كما ينبت الصعتر البري الذي لم تنبته يد بل أنبتته الطبيعة ذاتها في دفاعها التلقائي عن وجودها. ولأنها اختارت وعياً فنياً مختلفاً، كان منطقياً وطبيعياً أن تبحث عن موسيقى نظيفة تنتمي إلى الموهبة وللعلم معاً. فن ريم مزيج متجانس من حضور الموهبة الغنائية الدافئة والمغمسة بروحها ومن وعي للموسيقى، بوصفها علماً يناله من يستحقونه من المجتهدين المثابرين على التعلم في صورة دائمة ومستمرة أثمرت فناً مشعاً نجح في ملامسة مشاعر مستمعيها وعشاق فنها في شكل راق. ريم بنّا عانت في سنواتها الأخيرة وطأة المرض العضال الذي استوطن جسدها وحوَل حياتها إلى عذاب دائم، فيما القنوات الفضائية العربية التي لا تحصى عدداً غارقة في «فنها» الذي نحتاج إلى جهد كي نعرف إن كان غناء أم إعلانات تجارية. أخبار مرض ريم بنّا الطويل ومعاناتها وأخيراً وفاتها ظلت شأناً يهم النخبة من عشاق فنها في وطنها فلسطين وخارجه، هي التي استعادت في أغانيها روح فلسطين وتراثها الموسيقي والشعري وأطلقتها في فضاء أهلها على نحول جميل ونابض بالحياة والعزيمة على الكفاح، من أجل عالم لا مكان فيه للاحتلال والعنصرية والظلم. ريم بنّا لؤلؤة الغناء الحنون الطالعة من بحر حيفا وروح كرملها تغيب عن عالمنا وتغيب من فضائياتنا، لكنها تسكن وجداننا كما فعلت دائماً فأسعدتنا ومنحتنا بريق أمل سيتجدد بفنها وأغنياتها وسيرتها.
مشاركة :