مثقفون ومبدعون يجيبون عن: هل تغيرت القيم والثوابت في حياتنا؟

  • 3/28/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تصاعدت ظاهرة التناقضات واختلطت الأوراق وتردت المفاهيم وارتفع الضجيج بين النخب على اختلافها واختلاف مستويات حضورها داخل النظم أو خارجها، وذلك في ظل الحروب والصراعات الدائرة في المنطقة العربية والإقليمية، حتى بات أمر الكثير من القيم والثوابت موضع شك وريبة في ظل التفاعل الواسع لمجتمعات مواقع التواصل الاجتماعي، لينعكس ذلك على المستوى المجتمعي العام، فتبادل الاتهامات المستمر بين الرؤى المختلفة سياسيا واقتصاديا وثقافيا ودينيا واجتماعيا والذي وصل حد التكفير والطعن في الوطنية والشرف والكرامة يفتح الباب على مصراعيه أمام التناحر ومن ثم السقوط القيمي المجتمعي. انطلاقا من هذا كانت فكرة هذا التحقيق التي وضعناها في سؤال توجهنا به لعدد من المفكرين والمثقفين بعضهم اعتذر وبعضهم تناول الأمر من زاويه، السؤال كان كالتالي: هل تغيرت القيم والثوابت سواء منها الديني أو السياسي أو الأيديولوجي أو حتى الإنساني جراء ما نشهده من حروب وصراعات ونزاعات أم ترى وراء ذلك التقدم التكنولوجي الهائل وتداخل الثقافات عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيره؟ بداية يؤصل الناقد والأكاديمي د. رامي أبو شهاب لمفهوم القيم مؤكدا أن مفهوم القيم في الثقافة العربية الإسلامية يرتبط بدلالة الديمومة، والمثمن، ولهذا ينبغي ألا تخضع للتغيير الذي من شأنه أن يفقدها خصوصيتها، غير أن كلمة القيم التي تعود لجذر يوناني - فرنسي، والتي تعرف بالأكسيولوجيا، وتعني علم القيم، قد خضعت للكثير من التفسيرات بدءاً من العصر اليوناني، غير أن هذه الحقل اتخذ معاني أخرى على يد الفلسفة الألمانية، ولاسيما نيتشه الذي نزع عنها شيئا من قدسيتها، ولا سيما ما يتعلق منها بالأخلاقي، ومن هنا، فقد بدت القيم موضوعاً إشكالياً، ولكن في هذا العصر تبدو شديدة التعقيد، كون عالمنا الحالي شديد التحول، وذلك انطلاقا من تحول القيم الثابتة، إلى قيم سائلة استجابة لتنظير زيجمونت باومان، ونقده للحداثة وما بعدها. ورأى أن القيم تخضع للتشكيل ما بعد الحداثي، فنحن لا نختلف حول تصنيفها، فهناك قيمة إيجابية ينبغي حفظها، ولكن البعض ينظر لها على أنه قيمة سلبية، فعلى سبيل المثال الحرية، إذ تبدو قيمة لا يختلف عليها اثنان على أنها مثمنة، ولكن بعض المجتمعات ترى فيها فعلاً مناقضا لقيم أخرى، وخاصة حين ترتبط بواقع المرأة التي ينظر إلى تحررها على أنه خروج عن بعض القيم، فحريتها تعني خرقاً لهرمية ثقافية ما، وهذا ينسحب على حرية التعبير عن النفس، وبذلك لم نعد نملك اليقين بأنها جديرة بالبقاء أو التلاشي، ففي عالم عربي تسوده الفوضى والاقتتال، بالتجاور مع أثر مواقع التواصل الاجتماعي التي أفرزت سلوكيات جديدة لم تكن رائجة في أزمنة سابقة، فالمنافسة، والطموح، والوطنية، حين تتحول إلى فضاء عام تنتج كراهيات. بل إن مواقع التواصل الاجتماعي أفرزت فهما جديدا للقيم بحيث بدأت تصاغ من خلال وعي جماهيري، وكما نعلم فإن الجماهير تفتقر للوعي النقدي حيث يمكن أن تتخلى عن عقلانيتها نتيجة الحماس الذي ينتج بفعل الحشود كما يشير جوستاف لوبون. ومن هنا فإن مواقع التواصل الاجتماعي أوجدت حشودا لا مرئية، تنطلق من عقل جمعي شديد الاضطراب، مما أوجد خللاً قيمياً، ومواجهات الكل بات فيها طرفاً، وهذا تعزز مع غياب المثقف الحقيقي القادر على توجيه الوعي الجمعي، مما أوجد خللا قيمياً أسهمت فيه مؤسسات الدولة التي تتبنى قيما مخالفة لقيم الشعوب التي تعاني من قلق قيمي كون كل فرد بات يملك تفسيرا خاصا به للخطأ والصواب. • التغير عملية معقدة وأكد الباحث في الشأن السياسي د. سامح فوزي أن القيم والثوابت أيا كانت لا تتغير بسهولة؛ وتحتاج الي مدى زمني طويل، وقال "السياسات تتغير لأنها نتاج تصورات صاحب القرار؛ ولكن تغير القيم عملية معقدة تدخل فيها عوامل متشابكة في مدي زمني طويل. أما أسباب تغير القيم فمتعددة ويصعب إحالتها لسبب واحد، مع الاعتراف باختلاف الأوزان النسبية للأسباب: أولها تحولات سياسية جذرية؛ مثل الصراعات والنزاعات التي تجبر الشخص علي تغيير نمط القيم. مثال دور المرأة في النزاعات يختلف عن دورها في السلم؛ وتضطر لأداء أدوار قد لا يقبل بها المجتمع في الأحوال العادية. ثانيا: التحولات الاقتصادية والاجتماعية العميقة تؤدي الي تغيرات مثل ما حدث في مصر عقب الاخذ بالانفتاح الاقتصادي في السبعينيات الذي رافقه تحول في القيم التي كانت سائدة في الستينيات، حيث ظهر ذلك في أسلوب الحياة والفن والسكن وخلافه. ثالثا: التغيرات التقنية والتكنولوجية مثل سيادة ثقافة الشاشة مما أثر سلبا علي العلاقات الاجتماعية التي تقوم علي الاتصال المواجهي؛ وتحول متلقي الإعلام إلى مشارك فيه كما يحدث في وسائل التواصل الاجتماعي؛ وغيرها. رابعا: التغير في التعليم نتيجة الانفتاح علي مجتمعات أخرى مثلما حدث في مطلع القرن التاسع عشر في تجربة محمد علي؛ ومنها شيوع قيم جديدة منها المدنية والوطن وتعليم البنات كما ورد في كتابات رفاعة الطهطاوي. خامسا: صدمة الالتقاء بالآخر المتقدم مثلما حدث في العديد من التجارب الاستعمارية ومنها مثلا تجربة الحملة الفرنسية على مصر. • الارتطام بالواقع ورأت الروائية آن الصافي أنه تحت الضغوط الاقتصادية يتغير تركيب المجتمعات وتتغير الأعراف، حين يرتبط الأمر بالعلم والمناصب وتبادل الأدوار تحدث نوع من المرونة في سياج الممنوعات والمحظورات، كقبول الأسر في المجتمعات القبلية من زواج بناتها من طبقات اجتماعية أو إنتماءات قبلية مغايرة، وقبول عمل المرأة في وظائف ما طمحت أمهاتهن أو جداتهن بأن يحظين بها، كوظيفة قائدة طائرة مدنية أو عسكرية. وقالت: "إن تغيير الثقافة السائدة من أصعب الأمور ولكن يسهل فقط حين الإرتطام بواقع ومعطيات جديدة ما ألفها المجتمع سابقاً. منها تقنيات التواصل الحديثة وسهولة والتنقل بين الأمكنة والسفر ولتوفر المدن الحاملة للثقافات المتنوعة (الكوزموبوليتان) أياً كان سبب ارتحال وتلاقي هذه الثقافات بسبب اقتصادي أو أمني أو غير ذلك من أسباب تستدعي اتنقال الإنسان إلى أمكنة جديدة سعياً في أن تتوفر له أبواب الحياة الكريمة ما أمكن. هنا نجد أن المقاييس والمعايير تلتقي في شبكة من العلاقات الصانعة للقرار أو المؤثرة في مراكز صنع القرار فتحدث عمليات المساومات والتنازلات السهلة للحصول على المأرب. وقد تكون على حساب الأخلاقيات بدرجات متفاوتة، المهم أن هناك طرفين أو أطراف متشابكة تصل لأهدافها كما ينبغي. الحقيقة أن هذه الحلقة في تغيير الثوابت تنتج في تفكير الفرد وقراراته وتحور المجتمعات ديدن الإنسان منذ الأزل. وبشكل موضوعي هناك تحورات تثمر بخيرها لتعم حياة الإنسان ومجتمعه الجديد، وهناك من القيم والمثل ما قد يذبل إلى حد الاندثار وينتج عنه تأثير سلبي على حياة الفرد والمجتمع. نأمل في أن يكون الدوام للأكثر صلاحاً ويحقق التنافسية على المحور الإنساني أولاً وآخراً على مستوى المجموعة قبل الفرد وفي كل حقل. • الحالة المصرية ونفى الروائي والمترجم أحمد عبداللطيف أن يكون هناك تغير في القيم وأثبت أن ذلك يشكل زيادة في الوعي وقال: "أحدثك هنا عن الحالة المصرية، وأشير إلى ما نتج عن ثورة يناير تحديدًا، وبعد مرور عدة سنوات، قد يبدو ما يحدث كنوع من الاستقطاب أو الخلاف السياسي أو الانحيازات باعتبارها آثارا سلبية، لكن الحقيقة أنه حراك سيخلف وراءه قيمًا أكثر ذيوعًا. انظر مثلا إلى أسطورة الإخوان المسلمين التي تدمرت بمجرد توليهم السلطة، وانظر إلى شخصيات عامة تراجعت شعبيتها بمجرد وضعها في التجربة. إن ما فعلته ثورة يناير أنها فتحت العيون على قيم جديدة بالنسبة للبعض، لكنها كانت موجودة دون أن تجد سندا مجتمعيا، هذا التغير الأيديولوجي ليس معناه تغير في القيم، بل إدراك لحقوق المواطن والمواطنة والحق السياسي، حتى لو لم يتحقق بعد على أرض الواقع، إلا أنه تحقق على المستوى النظري، وهذا هو الأهم، لأن الفعل سيكون تاليا. الثورات والحروب تخلف وراءها التجربة، وبدون التجربة والخطأ لا تتعلم المجتمعات. • أزمة القيم في المغرب المفكر المغربي إدريس كثير تحدث عن أزمة القيم في المغرب قائلا "لا يمكن للمرء إلا أن يستاء مما يقع في المغرب مؤخرا، إنها حالة استُثناء غير معلنة أو الأصح معلنة بلغة أخرى غير اللغة القانونية. إننا استتناء في محيطنا لا نشبه إلا أنفسنا في الانتخابات، في الرياضة، في الأعياد، في التعليم، في الحب، في القتل، في الشذوذ. أصبحنا نمارس كل هذه الأنشطة والاستحقاقات وهذه التقاليد وهذه الابتلاءات بطريقة غريبة عنيفة. لمادا وكيف انفجر كل هذا الكبت فينا؟ هناك العديد من الأسباب المتضافرة فيما بينها لا محالة. لكن سأعزل سببا وجيها وعميقا هو في نظري السبب الرئيسي في هذه الثورة التي مست ذواتنا في حميميتها وعبثت بقيمنا على علاتها. سبب يملك من الشمولية والتأثير لا تملكه كل التقنيات الكلاسيكية، إنها شبكات التواصل الاجتماعي المعاصرة. ما أن غزت فضاءنا حتى تلمسنا أطرافنا واندلعت بوادر التغير والتحول الجذرية كالنار في الهشيم، معلوم أن لهذه الشبكات جوانب إيجابية وأخرى سلبية. الأولى ذات طابع تثقيفي تعليمي (غوغل..) والثانية ذات طابع ترفيهي قد يصل إلى حد التفاهة (الألعاب المختلفة ، البورنو..) للأسف هذا الجانب الأخير هو السائد والمنتشر الآن، أفسد ما هو فاسد في ثقافتنا وأفسد أخلاقنا ولغتنا. وأوضح أنه من القضايا التي زعزعتها الوسائطية السلطة، سلطة الأب، وسلطة الأستاذ، وسلطة الأمن، وسلطة النص، وسلطة المثقف وحتى سلطة السلطان. تلاشت وكادت تختفي هذه السلطة ولم نعد نهابها ولا نهاب شيئا فيها. أصبحنا نرى كل الممنوعات، ونقرأ كل المحظورات، ونكتب كل المرفوضات بفضل الوسائط. كانت السلطة قديما حين لا تتجاوز حدها تضمن أخلاقنا وتسند احترامنا وتدعم حبنا وتبجل إجلالنا. الآن تفسخت كل هذه القيم لأن الوسائط فضحت ركائزها وأبانت أن لا مبدأ يمكنه أن يقف مواجها احتياجها سوى العقل والعقلانية والنقد والنقدية. كل قيمنا تتأسس على الخوف والعاطفة والتقليد، وهي لا تصمد أمام كشف الحقائق وفضح المزاعم ورفع الإدعاءات. هذا التفكيك للبداهات يعد من أوليات نفي السلطة ونكرانها. كل السلطات تم تشتيتها وتفتيتها وكأن الوسائطية بثورتها هاته تدعو إلى ضرب من اللاسلطة. • مكمن الاشكالية وثقلها وأشار الشاعر والأكاديمي د. كامل فرحان صالح إلى أن مقاربة الاشكالية مقاربة موضوعية تتسم بالدقة، من المسائل الصعبة، وقال "ان ما نشهده اليوم من قيم وثوابت هو نتيجة سياقات متداخلة ومركبة وفي الوقت نفسه، معقدة. لكن هذا لا يعني أن الحروب والصراعات لم تنتج قيما جديدة، فمثلا من نتائج الحروب الأهلية الداخلية، ظهور شريحة اللصوص "الشطار" وبروز "حديثي النعمة" أو"الاغنياء الجدد". وهؤلاء ينتجون قيما تفتقر الى المعنى الاصطلاحي للقيم، وثمة قيم تظهر مع مد التعصب الديني، فيحوك أتباع هذا التوجه من نسيج الدين قيما فيدخلونها مع أنسجة أخرى تعبر عن انغلاقهم وأنفسهم المريضة هم، وفي طبيعة الحال لا تمت الى القيم الدينية التسامحية والمنفتحة على الآخر بأي صلة كما يدعون. أيضا، وفي طبيعة الحال، أن تنتج الطبقة السياسية وكل أتباع أيديولوجيا، قيما تعبر عن سلوكياتها وأخلاقها، وكلما ارتقى المؤمن بعقيدة ما، بإيمانه، يرتقي بقيمه. لكن مكمن الاشكالية وثقلها يكمن في الجزء الثاني منها، وهو تغير القيم أو نشوء قيم جديدة نتيجة العلاقة المستجدة بين الإنسان والعالم الافتراضي المعبر عن تقدم التكنولوجيه وتداخل الثقافات، فالاشكالية مردها الى حداثة هذه العلاقة، فهي بعمر السنوات المعدودات، وبالتالي يصعب الحديث عن ولادة قيم، لأن القيم لتكون قيما تحتاج الى مرور زمني وممارسة راسخة، لكن في طبيعة حال يلاحظ المتابع أن هناك قيما لا تزال تمارس، إنما جرى تحويرها وتحويل طرائق التعبير عنها مثل الحزن وتقديم العزاء، او الإعلان عنه، كذلك نقل حفلات الفرح والتخرج والنشاطات الاجتماعية المختلفة، فتجد أن المصافحات والقبل الحقيقية تحولت الى أيقونات، والتحيات إلى لايكات، والكلمات المباشرة الحية تحولت الى تعليقات إلكترونية. مهما يكن من أمر، فان المسألة تحتاج الى بحث معمق، ولا شك أن الاشكالية المطروحة أعلاه مهمة وفي وقتها، ولعل التحقيق الصحفي يفيد في مكان ما الباحثين في الإضاءة على بعض النقاط للانطلاق الى العمل والكتابة. • العالم بصدد ثورة جديدة وخلص الباحث د. إيهاب خليفة رئيس وحدة متابعة التطورات التكنولوجية بمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة إلى أن العالم بصدد ثورة جديدة، لا تغير فقط من آلية عمل الأشياء، بل تغير من الطريقة التي ننظر بها إلى أنفسنا وإلى الأشياء من حولنا أيضاً، أي انها تؤثر على المنظور المعرفي والنسق القيمي الذي يحكم رؤية الإنسان لنفسه ولمن حوله وللعالم أجمع، وتظهر التحديات القيمية التي تطرحها هذه الثورة الصناعية الجديدة في عدة أمثلة، منها السيارة ذاتية القيادة، فماذا عن قيمة "العدالة" إذا قتلت هذه السيارة طفلاً أو أمرأة، هل سيتم محاسبة السائق الآلي أم صاحب السيارة أم الشركة المنتجة لها أم الدولة التي رصفت الطريق أم أن هناك شخصا آخر يتحمل المسئولية!، وماذا عن قيمة العمل حينما يحل الإنسان الآلي محل البشر في خطوط الإنتاج؟ وماذا عن قيمة "الخصوصية" في ظل قيام الأفراد بأنفسهم بوضع معلوماتهم الخاصة على الشبكات الاجتماعية؟ وماذا عن قيم "الأسرة" التي تم اختزالها في جروب على الواتس آب؟ وماذا عن قيم "السيادة" في ظل حصول شركات تكنولوجيا المعلومات على كافة مواطني الدول؟ وماذا عن قيم الولاء والانتماء في سرعة تغير الأجهزة والأدوات الإلكترونية، وغيرها من الأسئلة التي تطرحها هذه الثورة الجديدة؟ فهل سيكون مصير محتوم على الأفراد أن يواجهوه بما يحمل في طياته من قيم مادية نفعية تصب في مصلحة المجتمعات الغربية المنتجة على حساب المجتمعات الاستهلاكية، فتزيد الغني غنىً وتزيد الفقير فقراً، أم أنها فرصة حقيقة لإعادة اكتشاف الذات، وقطع الصلة بالماضي العصيب وبداية المشاركة الحقيقة في إنتاج المعرفة البشرية؟   محمد الحمامصي

مشاركة :