لكلِّ أجل كتاب ولن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها والحمد لله على قضائه وقدره ... لقد قرأت ما سطّرته صحيفة الجزيرة في عددها ذي الرقم 14955 الصادر صباح الأحد 2-11-1434هـ عن وفاة أحد المشايخ الفضلاء وأحد الرجال النبلاء وأحد الغيورين النصحاء الشيخ محمد الصالح الحميد (أبو صالح) هكذا عرفته مذ كنت صغيراً طفلاً بجوار والدي - رحمه الله - في المسجد، يأتي هذا الرجل اللطيف الأديب الأريب ليستأذن من إمام المسجد وينثر بين قلوبنا وأبصارنا كلمات وعظية إرشادية توجيهية تذكيرية، ثم يختمها بدعوات صادقة إلى رب البريّات للمسلمين والمسلمات وللمرضى في المستشفيات وللأموات في قبورهم، ومن ثم للحاضرين الذين استمعوا وأنصتوا وجلسوا له... الشيخ محمد الصالح الحميد الذي عرفته المقبرة ناصحاً واعظاً مذكّراً، وعرفه مرضى المستشفيات زائراً مطمئناً مسلّياً، وعرفه أهل الميت معزّياً مواسياً... (أبو صالح) الحميد اشتهر بوعظه ونصحه حين الدخول بالميت إلى المقبرة وإنزاله القبر حتى الخلاص من تلحيده ودفنه، يذكّر المشيّعين بسنّة المصطفى صلى الله عليه وسلم بالجلوس عند القبر حال شهود وتشييع الجنازة، وأنّ هذا منهجه عليه الصلاة والسلام ومنهج الصحابة أنهم يجلسون عند دفن الميت كأنما على رؤوسهم الطير... ( أبو صالح) يستقبلك بابتسامة وحب ودعاء ثم يودعك بمثلها أو أجمل ... (أبو صالح) يذكّرك بقراءة القرآن في المسجد ليس أمراً وإنما يوزع المصاحف على منتظري الإقامة ... (أبو صالح الحميد) يذكّرك بحق والديك وزوجك وحق المسلمين أجمع بالدعاء لهم... مضى (أبو صالح) الحميد - رحمه الله - يريد الدعوة إلى الله شرق مدينة بريدة في أحد جوامعها بعد صلاة الجمعة، وفي ذلك اليوم الجمعة الثلاثين من الشهر العاشر 1434هـ، كما يذكر الرّواة (أنه أتى ضحى لمغسلة الموتى بجوار جامع محمد بن عبد الوهاب ببريدة التي غسل فيها وصلي عليه في الجامع وزار المغسلة، ثم بعد ذلك ذهب لصلاة الجمعة وفي الطريق للصلاة كان القدر المحتوم، حيث أصيب بحادث مروري مع شخص آخر وجهاً لوجه وهو الأخ عبد الله السكاكر - رحمه الله - الذي توفي هو أيضاً في الحادث، ونجّى الله ابني الشيخ محمد اللذين كانا معه في السيارة )، وفي مغرب اليوم نفسه صُلِّي عليه، فكانت جنازته جنازة مهيبة وعظية، كما كان هو واعظاً في حياته حيث امتلأت الطرقات البعيدة عن الجامع والمقبرة، فضلاً عن القريبة منها، وشيّعه الناسرجالاً وركباناً كباراً وصغاراً شيباً وشباباً مواطنين وجاليات، فكان مشهداً مهيباً، رأيت فيه العالِم والقاضي والداعية والمعلّم والمسن والمُقعد، فيهم من يُحمل على العربة وفيهم المعاق ... فرحمك الله أبا صالح وغفر لك وأسبغ على قبرك شآبيب رحمته، وجمعنا بك في مستقر رحمته في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر .... - أحمد بن سليمان العدل
مشاركة :