تربية الأبناء استثمار ليكونوا لبنة صالحة لوطنهم وذواتهم

  • 3/29/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أدّى التطور الاجتماعي المعاصر إلى اختلاف صورة العلاقة الأسرية حالياً عما كانت عليه في الماضي، فغالبية الآباء والأمهات حصلوا على درجات متفاوته من التعليم والثقافة، وهذه الثقافة قادرة على إضاءة مشاعل المعرفة والأمان أمام الأبناء، وفضلاً عن تفهّم الآباء مطالب الأبناء النفسية في مراحل العمر المختلفة، يصبح في الإمكان الوصول إلى علاقة صريحة متبادلة بين الآباء والأبناء. وتتفاوت متطلّبات الأبناء من «الحرية»، فمنهم من يطلبها لكن بالقدر المعقول، وقد يحتاج جميعهم إلى تلك المساحة التي تبث الثقة بالنفس ولا تنال من احترام الإنسان لنفسه، مع إقامة جسور الثقة بين الآباء والأبناء والتفاهم، وتمكّن الأبناء من طرح مشكلاتهم وما يُشغل قلوبهم وعقولهم على الآباء كأصدقاء لهم. وقد تكون الرقابة الأسرية إحدى وسائل تمتين العلاقة بين الآباء والأبناء نتيجة للتواصل بينهما، وإن كان هذا التواصل إيجابياً ولا يشوبه أي نوع من التعسّف أو السلبيات، ستنتج عنه علاقة متينة تترسّخ مع الوقت، مع إيجاد التفسير الذي يناسب الطرفين لتعريف الإيجابي، فأحياناً يشعر الأبناء بأن ما هو إيجابي لهم هو فعلياً سلبي عليهم. وتؤكّد عالية عبدالله ربة منزل وأم لأربعة أبناء، أن أمام الطفل حلين إزاء هذه الرقابة القوية وتسلط الآباء، الأول هو التمرّد، ما سيخلق حاجزاً واضحاً في العلاقة بين الوالدين والطفل. وسيكبر هذا الحاجز ويمتد على مدار الزمن. أما الحل الآخر بالنسبة للطفل فهو الأسوأ، وهو الخضوع، ما يعني أيضاً حاجزاً آخر في العلاقة، ولكنه سيكون وهمياً وغير مرئي ولا شعوري، بل على العكس سيظن الآباء أن مثل هذا الحاجز هو التواصل، ولكنه فعلياً موجود وسميك جداً. في المقابل، يرى زوجها خالد ناجي أن الطفل عندما لا يجد التواصل مع الأهل سيعمد إلى نقطة أخرى، وهي الكذب وخلق الأسرار الخاصة به كنوع من الحماية لنفسه، على رغم الحماية التي يجب أن يوفرها الأهل للطفل. ولكنه مع شعوره بفقدانها سيحاول أن يقوم بتوفيرها لنفسه وبذاته، ما سيجعله يبني صندوق الأسرار الخاص به إضافة إلى اختلاق الكذب. لذا، يجب الاقتراب من نقاطهم الحساسة كلها، والولوج إلى عوالمهم بسلاسة، من دون إشعارهم بأن الخطأ محرم، وأن المثالية هي المطلوبة منهم فقط. وتعزو الدكتورة النفسية نوف غالب الكذب المستمر إلى تسلّط الوالدين في تربية الأبناء بالطرق الحازمة جداً، وتقول: من أسوأ ما قد يحصل للطفل أن يتحوّل إلى ما يشبه الآلة، أي أنه يجاوب بمقدار، ويتصرّف بمقدار، وفق ما يُطلب منه من دون تفكير. هذا الأمر يفقده هويته وشخصيته، ويصبح عديم الشخصية. وهذه الطاعة العمياء من أكثر السلبيات المدمّرة والناتجة عن تسلّط الأهل في رقابتهم للأبناء، لكونها تحيله في أحيان كثيرة إلى ذلك الإنسان الجاهل وغير الطموح، ويصبح جامداً ينتظر من يوجهه، مع الأخذ في الاعتبار ألا يُترك الحبل على الغارب في تربيتهم وترك أمورهم كلها من دون متابعة أو اهتمام. من هنا ضرورة اعتماد مبدأ الوسطية في التربية معهم». ويعتبر استشاري الطب النفسي جمال الطويرقي، أن الوسطية في التربية هي الحب، وقد اختلفت معايير التربية عن القدم كثيراً، وأضحت الأسر أمام حلين، إما الرقابة المشددة أو الانفلات من دون رقابة، وهذا من أعظم أخطاء التربية، بل يجب على الآباء أن يعطوا أبناءهم الثقة، ويتعاملوا معهم بحرص، مع غرس أساسيات التربية الصحيحة في أعماقهم، وعدم ترك هذه المهمة للــعمالة المنزلية أو التكنولوجيا، بل يجب أن على الأم والأب أن يكونا المشرفين الأولين على هذا المشروع وهو (الابن)، لأن الاستثمار الجيد هو استثمار الأبناء في تربيتهم وتوجيههم حتى يكونوا لبنة صالحة لوطنهم وذواتهم.

مشاركة :