خيري منصور أفرزت الحراكات العربية خلال السنوات السبع الماضية، والتي كانت عجافاً لدى البعض وسماناً لدى آخرين، مصطلحات تتداولها الميديا بمعزل عن سياقاتها السياسية والاجتماعية، ومنها العدالة الانتقالية. أي ما يعقب المتغيرات التي كان بعضها دراماتيكياً كما في ليبيا وتونس من مساءلات ومراجعات تطال نظماً سياسية وشخصيات عامة.والفارق على ما يبدو بين الانتقال والانتقام ليس مجرد خطأ مطبعي، ما دام هناك من قرروا الثأر مقابل آخرين تحرروا من أعباء الماضي وتطلعوا إلى المستقبل.وقد تكون عبارة ما مضى لن يعود من عالم الشعر وأقرب إلى ما تصوره الشاعر «إدغار الن بو» صوت الغراب، لكن السياسة تقبل مثل هذه العودة، كما تقبل إعادة إنتاج مفاهيم وأحياناً نظم سياسية، لكن بأسماء جديدة.وقد يكون ما قاله نيلسون مانديلا عن الماضي في بلاده رغم أنه كان مثقلاً بتراث عنصري واستبدادي جملة معترضة في زماننا هذا، فالرجل تفوق على نداء الغرائز وشهوة الانتقام. وكان نموذجاً للتسامح، أو بمعنى أدق للعفو عند المقدرة.وإذا كان عصرنا قد ودع مفاهيم ومنظومة من القيم في مقدمتها الفروسية لصالح البرغماتية، فإن ما جسده مانديلا من تسامح الأقوياء سيكون على الدوام بوصلة من ساروا على هذا الدرب.والعدالة حين تكون انتقامية تفقد معناها، لأن من يدعو إليها هو كالتلميذ الذي تقمص جلاده وأصبح يقلده ولم يطرح ما هو مضاد لتفكيره وسلوكه معاً.وحين قيل عن الثورة الفرنسية إنها أكلت أبناءها، لم تكن ثورات أخرى في القرن العشرين وما أعقبه قد أكلت أحفادها أيضاً، لأنها تمددت نحوهم بكل حمولتها من الانتقام والثأرية!وحين يكون حراك ما ضد الاستبداد، فإن أول ما عليه التبشير به هو العدالة والإنصاف. وكما أن الحق لا يمكن أن يوصف بأنه باطل فإن العدالة لا يمكن أن توصف بالانتقامية!
مشاركة :