الإنسان ككائن اجتماعي لا يستطيع العيش وحده أو الانفراد في طريقة حياة منعزلة ومختلفة كليا عن ابناء جنسه، من هذا المنطلق كان لابد من وجود منظومة علاقات تحكم تفاعل الإنسان مع من هم سواه حيث أن أغلب العلاقات قائمة على الاحترام المتبادل وتبادل المنفعة ناهيك هن العلاقات الروحية والعاطفية والتي ليست لها محددات وضوابط دقيقة وواضحة. الإنسان منذ ولادته لديه الاستعداد للتفاعل مع محيطه والقابلية للتعامل مع الآخرين، فيكون في مراحله الأولى بحاجة إلى الرعاية ومن ثم يلي ذلك التربية والتوجيه فيغرس أبويه فيه مفاهيم وسلوكيات تبنى عليها أهم معالم شخصيته المستقبلية كما قال عليه الصلاة والسلام" يولد المولود على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" لذلك إن مات أي مولود قبل البلوغ فهو في الجنة كما يقول الفقهاء سواء كان أبويه مسلمين أم كافرين، فبرغم السلوكيات والمفاهيم التي قد يكون تلقاها من والديه في هذه المرحلة إلا أنه لم يصل إلى مرحلة التكليف، كونها ستكون مرحلة التفاعل الحقيقي للفرد مع الواقع الاجتماعي فهي مرحلة تترجم فيها المفاهيم التربوية المتلقاة من الجانب النظري إلى الجانب العملي بحيث يتم الانتقال من مرحلة التلقي الكلي إلى مرحلة الفعل والتأثير في الوسط المحيط من خلال هذا يبرز سؤال مهم يطرح نفسه بقوة وهو هل أي انحراف في سلوكيات الفرد دليل على خلل في تربية الأبوين له؟ قد يكون الجواب البديهي هو نعم ولكن ليس جوابا قطعيا فهناك مؤثرات أخرى قد تبرز في مرحلة من المراحل ويكون لها تأثير يتجاوز تأثير الأبوين أحيانا مثل المدرسة والأصدقاء ومن ثم الجامعة والإعلام لاحقا لذلك فالمتتبع لمسار الانحرافات الأخلاقية عند بعض الأفراد قد يجد الخلل يأتي من مصادر متعددة تتكامل مع بعضها لتشكيل قابلية الانحراف لدى الفرد فأحيانا لا يكون الخلل في سلوك الأبوين أو طريقة تربيتهما لأبنائهما إنما يأتي الخلل من الخلافات بين الأبوين وعدم الاستقرار الأسري، الأمر الذي يؤثر في نفسية الفرد مبكرا ويشوه في ذهنه صورة القدوة والمثالية التى يراها في أبيه وأمه ومن ثم يجد في الصداقة والأصدقاء والبقاء معهم في الشارع بديلا عن الجو الأسري المشحون بالخلافات وهنا يأتي دور رفاق السوء لزرع مفاهيم جديدة وسلوكيات منحرفة لدى الفرد وخاصة في مرحلة المراهقة حيث تكون قابلية التلقي لديهم أكبر ولديهم ميول ووجنوح لعالم الانحراف ويتفاوت مقدار هذا الانحراف حيث نجد سلوكيات مشتركة أكثر انتشارا مثل التدخين وإدمان المخدرات والعزوف عن الدراسة ومن ثم سلوكيات أقل انتشارا ولكنها أشد فتكا بالمجتمع مثل الجرائم الجنائية والتي في الواقع قد يكون سببها بعض الانحرافات السابقة مثل إدمان المخدرات والتي قد تقود إلى جرائم أخرى مثل السرقة أو القتل ،بالاضافة إلى ما سبق قد يقع الفرد في انحراف أخطر وقليل التوقع كونه لا يمس الجانب الأخلاقي السطحي والواضح أمام المجتمع ولكنه يضرب عميقا في أساس المفاهيم والمبادئ المغروسة في ذهن الفرد من خلال زعزعة كل المفاهيم التربوية الأسرية والمدرسية ويبدأ بغرس أفكار خبيثة وهدامة تجعل الفرد يقع في مواجهة المجتمع ويرى الانحراف في المجتمع ككل وهذا عمل الفرق الضالة التي تزرع التطرف والإرهاب في نفوس الشباب وتشيطن أفكارهم وتجعلهم أداة لدمار وخراب مجتماعتهم في مرحلة من أعمارهم يفترض فيها أن يكون لهم إسهاماتهم وأدوارهم في بناء وتنمية هذه المجتمعات من خلال ما سبق يتضح أن التربية لا تقتصر على دور الأبوين فقط ولكنها عملية مشتركة بين عدة كيانات مجتمعية بحيث يكمل بعضها بعضا.
مشاركة :