جاء الإعلان الأخير عن عزم المملكة إنتاج 200 غيغاوات من الطاقة الشمسية عام 2030، كعلامة بارزة في ملامح مستقبل المملكة بقيادة عراب رؤية المملكة 2030 الأمير محمد بن سلمان، إذ إن هذا المشروع سيحدث نقلة هائلة في إستراتيجية تصدير الطاقة في المملكة التي ستتحول تدريجياً من تصدير النفط إلى تصدير الطاقة الشمسية المستدامة، وهو ما يتسق مع استشراف العلماء والباحثين ووكالة الطاقة الدولية الذين أجمعوا على أن الطاقة الشمسية ستكون أكبر مصدر للطاقة في العالم بحلول 2050، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام مراكز الدراسات والبحوث الوطنية في توظيف هذا التوجه للمشاركة الفاعلة في رفد «مشروع خطة الطاقة الشمسية 2030» بالدراسات والأبحاث والابتكارات الرامية إلى توسيع مجالات استخدام الطاقة الشمسية كبديل حيوي وفاعل عن وسائل الطاقة التقليدية، والمساهمة في ابتكار إستراتيجيات تهدف إلى تقليل تكاليف إنتاج الطاقة البديلة الصديقة للبيئة، ومضاعفة المشروعات التي تعتمد عليها كلية.ولأن بعضاً من مراكز الفكر والدراسات في المملكة لديها عملياً اهتمامات بدراسات الشمس، مثال ذلك المشروع الذي تشارك فيه جامعة الملك سعود التي تدعم وتشارك عملياً في مشروعات علمية مع اليابان والبيرو من خلال رصدها لحركة شروق الشمس وغروبها يومياً على الأرض باستخدام التلسكوب الشمسي (TheFlare Monitoring Telescope - FMT) بالاشتراك مع جامعتي «كيوتو» اليابانية، و«وأيوا» البيروفية في أمريكا الجنوبية، كدراسة ترصد تأثيرات الأشعة الشمسية على كوكب الأرض وتحليلها، وهو ما يطرح فكرة التوسع في إشراك مراكز البحث العلمي الوطنية في المشروع الشمسي العالمي الذي تقوده المملكة وستصنعه على أرضها التي وهبها الله مقومات طبيعية؛ إذ إن أشعة الشمس التي تتعرض لها المملكة نتيجة موقعها الجغرافي يصل معدل إسقاطها الإشعاعي اليومي إلى نحو 8300 وات لكل م2 في الساعة، وهو من أعلى المعدلات الإشعاعية في العالم.وفي سياق التوجه الوطني نحو استثمار الثروة الشمسية التي لا تنضب، بدأ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في صياغة الأسس الصلبة نحو التحول إلى مرحلة «مملكة الطاقة المستدامة»، بمشاركة بيوت الخبرة العالمية في هذا المجال بعد أن وقع ولي العهد في نيويورك أخيراً مع صندوق رؤية «سوفت بنك» مذكرة تفاهم لإنشاء خطة المشروع، ومن المرجح أن يفتح المجال أمام مراكز الدراسات والبحوث الوطنية المشاركة والمساهمة في تعزيز مخرجات هذا المشروع العالمي من خلال تنويع الابتكارات المعتمدة على الطاقة البديلة.البحث العلمي في المملكةوكان الاهتمام بالبحث العلمي في المملكة قد بدأ منذ نشأة الجامعات الوطنية قبل قرابة 5 عقود، وشهد خلال العقد الأخير تنامياً كبيراً يعد بمثابة الطفرة في مجال البحث العلمي؛ إذ ارتفع عدد البحوث العلمية المنشورة في الدوريات العالمية من 1400 بحث فقط في العام 2006 إلى قرابة 9000 بحث في عام 2013، وذلك تناسقاً مع ارتفاع عدد الجامعات السعودية خلال السنوات الـ10 الماضية التي بلغت 34 جامعة، إضافة إلى الشروع في تنفيذ الخطة الوطنية للعلوم والتقنية والابتكار (معرفة 1)، التي تم إطلاقها عام 2007، ما ساهم بشكل كبير في تعزيز مخرجات البحث العلمي كماً ونوعاً وتقدم المملكة في المؤشرات العالمية المعنية برصد مخرجات البحث العلمي.وفي عام 2012، كانت للمملكة الأسبقية عربياً في الظهور للمرة الأولى على الخريطة العالمية للبحث والتطوير في تقرير مجلة «باتيل»، وفي ذات العام أفاد تقرير «رويترز طومسون» لأداء البحث والابتكار في دول مجموعة العشرين، أن نسبة سعودة الأبحاث ترتفع باطراد، فبعد أن كانت نسبة السعوديين العاملين في البحث العلمي في المملكة لا تتجاوز % 10 عام 2003، ارتفعت هذه النسبة إلى 35% عام 2011.واستناداً إلى تقرير «مؤشر نيتشر» للعام الماضي 2017، صنفت المملكة ضمن أكبر 30 دولة مساهمة في الأبحاث عالية الجودة، وجاء في التقرير المنشور في 28 سبتمبر الماضي، أن السعودية أحرزت أعلى معدل نمو في البحوث العلمية عالية الجودة على جميع الدول العربية.وتنفق المملكة على البحث العلمي في السنوات الأخيرة بسخاء؛ إذ بلغ إجمالي الإنفاق على البحث العلمي في المملكة خلال العام 2015 نحو 6.75 مليار ريال (1.8 مليار دولار)، وبذلك تحتل المملكة المرتبة الـ37 عالمياً في الإنفاق على هذا المجال.ودخلت 3 من جامعات السعودية في تقييم أفضل 25 مؤسسة بحثية على نطاق الشرق الأوسط، وهي جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، وجامعة الملك عبدالعزيز، وجامعة الملك سعود، في حين برزت الأبحاث السعودية في مجالات الكيمياء وعلوم البيئة والأرض وعلوم الحياة والعلوم الفيزيائية، وخلا المؤشر من أي دولة عربية غير السعودية في هذه التخصصات.وهذه النتائج كافية لمشاركة هذه المراكز الوطنية في دعم رؤية 2030 التي بإمكانها تحريك سرعة وتيرة عجلة البحوث والابتكارات الوطنية.
مشاركة :