إيران تلعب بنار الفوضى

  • 4/1/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

فوجئ كثيرون من المتابعين لتطورات الأحداث في إيران بالجرأة التي وصل اليها نظام الحكم هناك بقيامه بالتعدي الصريح والعلني على إحدى أكبر المرجعيات الدينية الشيعية، وهي المرجعية الشيرازية، وذلك باعتقال حسين الشيرازي نجل المرجع صادق الشيرازي، لا لشيء إلا لأنه مارس حقه الذي أباحته له كل النواميس والأعراف والقوانين الإنسانية بإبداء الرأي السلمي بقضية عامة لا زالت محل جدل ونقاش، كقضية ولاية الأمة. والتعبير عن موقف سلمي– أيضاً- يرتبط بتصرفات نظام الحكم، تلك التصرفات التي لا تنعكس نتائجها على القائمين بها فقط، بل على المحكومين من الناس، وهم عشرات الملايين، ما يعطيهم الحق الإنساني والدستوري في بيان قبولهم بالصالح منها، وإعلان رفضهم الصريح الطالح والمنحرف، فهذا هو ديدن الشعوب الحرة، وهذا المنهج مقبول ومرحب به من الحكومات التي تحترم حقوق الناس وحرياتهم، بل هذا ما يفترض ان يعمل به النظام الحاكم الذي يزعم انه يستمد شرعيته الوجودية ومشروعيته الدستورية من الانتساب الى منهج الرسول وأهل بيته الكرام. ومن خلال مراقبة ردود فعل السلطة الايرانية واتباعها، وتلك الصادرة من اتباع المرجعية الشيرازية، يتبين ان معظم ردود السلطة المبررة لعملها تقتصر على أمرين: الأول، ان حسين الشيرازي أساء لنظام الحكم في إيران عندما انتقد سلطويته واستبداده وأفقه الضيق مع المعارضة السياسية. والثاني، ان المرجعية الشيرازية مرجعية تقليدية تبالغ بالطقوس، او ما يود تسميته بالخرافات، وأنها مرجعية بريطانية. اما ردود فعل اتباع المرجعية الشيرازية -باستثناء قلة محسوبة عليهم- فلا تتعدى محاولة إثبات حقهم الدستوري والشرعي والإنساني في التعبير السلمي عن الرأي، وعدم قبول الإزاحة الوجودية لهم من تيار سياسي وديني يعتقد بأنه وحده يمتلك الحق في تمثيل شيعة العالم وفرض تصوراته السياسية عليهم، فهم شيعة أيضاً ومن حقهم ان تكون لهم طريقتهم في الحياة والاجتماع والسياسة تتناسب مع اجتهاداتهم وتصوراتهم. وعند وضع حجج السلطة الإيرانية في الميزان للحكم عليها سنجد الآتي: - لقد خرجت السلطة عن ميدان احترام الحقوق والحريات الإنسانية، لكونها صادرت أبسط حقوق الإنسان في حرية الرأي والتعبير، ومن يصادر هذه الحقوق الطبيعية لا يستطيع ان يزعم احترامه للحقوق الأخرى، كحق الحياة وحق الملكية وحق التنقل وحق التجمع والاجتماع وما شابه. - لا يمكن هذه السلطة ان تدّعي حكمها وفقا لمنهج الرسول وأهل بيته عليهم السلام، فالمنهج مع المعارضة السياسية واضح ومعلوم، وليس فيه مصادرة للرأي أو حكم بالظنة، او إرهاب وتخويف وتفسيق للآخر. - عدم استقرار السلطة وشعورها بالتهديد، فتضايقها واستعجالها في اتخاذ المواقف غير المحسوبة، يدلان على اشتداد أزمتها الداخلية، وهي أزمة ستعاود الظهور مرة بعد أخرى بتحركات اجتماعية متمردة، ومواقف حكومية متهورة قد تنتهي بسقوط النظام. - (ضرورة) نزع لباس تمثيل الشيعة من هذه السلطة، اذ كيف يستطيع شيعة إيران وغيرهم من شيعة العالم الشعور بالأمان تحت حكم يهين المراجع وأبناء المراجع، فما بالك بالمواطن البسيط الذي قد لا يحسن التفكير والسلوك عندما يعبّر عن حاجاته ومطالبه، فهو بحكم سلوك السلطة محكوم عليه بالخضوع والطاعة الأبدية، سواء أحسنت السلطة أم أساءت، وهذا بالفعل جحيم سياسي يساوي بين الموت والحياة، ويحكم على شجرة الحرية بالأفول بقرار من الحاكم. - اعتقاد السلطة بأن طقوس الناس وشعائرهم وخياراتهم لا بد ان تتطابق مع طقوسها وخياراتها هو اعتقاد غير سليم، ومنهج في الحكم عفى عليه الزمن، فالحكومات في الدول الحديثة في حاجة الى توسيع أفقها، وسماع الرأي الآخر، بل والتنازل لهذا الرأي عن السلطة في مرحلة ما، عندما ينال قبول الناس ورضاهم، فقد ذهب الزمن الذي يقول فيه الحاكم « الدولة أنا». - نزع عباءة الدين وعدم جعلها قميص عثمان الذي تستباح فيه الكرامات، فالحكم اليوم بيد بشر قد يصيبون وقد يخطئون، ومن يحكم على سلوكهم ليس اجتهاداتهم وأحكامهم المستنبطة، انما شـــعوبهم التي تمنحهم الحق في البقاء في الحكم من عدمه، والشعوب لا تقبل بسلطة تصادر حقوقها وحرياتها، كما لا تقبل بسلطة لا تجلب السعادة والرفاه لها سواء طال بقاء هذه السلطة في الحكم أم قصر. أخيراً، لا بد من التأكيد ان الشرق الأوسط بشكل خاص، والعالم الإسلامي بشكل عام، لم يعد يحتمل الصراعات والانقسامات الحادة، فالدمار الذي عاشه منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين وحتى الآن أوصله الى درجة عالية من الاحتقان قد تجعله يشتعل في أي لحظة ولأسباب غير متوقعة، فليس من مصلحة السلطة في ايران، ولا من مصلحة خصومها التلاعب بمشاعر الناس، ومصادرة خياراتهم، فالبديل قد يكون فوضى عارمة تقتلع الجميع، وعندها لا ينفع الندم، لذا على الجميع تذكر قاعدة المسؤولية التي أرساها شرعنا الحنيف، حفاظاً على مستقبل آمن لنا وللأجيال القادمة.

مشاركة :