إن من أهم الأخلاق الفاضلة التي جاءت بها شريعتنا الإسلامية الغراء.. خلق التواضع ولين الجانب والاحسان إلى الخلق. والتواضع خلق كريم وصفة محمودة وسبيل لنيل رضا الله سبحانه وتعالى، قال سبحانه وتعالى واصفاً عباده المؤمنين: «وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا» (الفرقان: جزء من الآية 63)، وقال جل شأنه «وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا» (الإسراء: 37)، وفي قول الحق سبحانه وتعالى على لسان لقمان «وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ» (لقمان: 18). وأما في السنّة النبويّة المطهّرة فقد دعا النَّبِيّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إلى التواضع، وحَثَّ عليه بقوله: «إنَّ اللهَ أوْحَى إِلَيَّ أنْ تَوَاضَعُوا حتى لا يَفْخَرَ أحدٌ على أَحَدٍ، ولا يَبْغِي أحدٌ على أَحَدٍ» (السلسلة الصحيحة، برقم 570)، وقال (صلى الله عليه وسلم): «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزّاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله» (صحيح الجامع، برقم 5809)، إلى غير ذلك من الأحاديث التي تُبيِّن ما لفضيلة التواضع من أثر كبير في حياة الإنسان وفي تعامله مع الآخرين. وقد ضرب أهل الكويت الكرام أروع الأمثلة تطبيقاً لهذا الأمر الإلهي، والتوجيه النبوي الكريم، وتجلت صور رائعة للتواضع والإحسان إلى الفقراء والمحتاجين، فيظهر المعدن الأصيل لأهل هذا البلد المعطاء في التحلّي بهذا الخلق العظيم. وتوضح هذه القصة الواقعية (من كتاب «محسنون من بلدي»، الجزء الأول، مستشار التحرير د.عبد المحسن عبدالله الجار الله الخرافي) مثالاً ونموذجاً لبطلها التاجر هلال فجحان المطيري، وكان أحد التجار الأثرياء والمعروفين بالتواضع وحب الخير للناس، كما عرف عنه الجود والكرم والإحسان إلى الفقراء والمساكين. أما عن قصة إحسانه إلى المحتاجين وحسن معاملتهم ففيها من العبرة والعظة ما هو جدير بالذكر، وفيها أن التاجر هلال فجحان المطيري اشتهر بكرمه وجوده وحسن المعاملة، وعرف أيضاً بنخوته العربية وأخلاقه الكريمة، فبعد انتهاء معركة الجهراء 1339 هـ ــــ 1920م في عهد الشيخ سالم المبارك، كانت الخسائر كبيرة من الجانبين، فقام التاجر هلال المطيري بتقديم العون للأسر التي فقدت عائلها، ووزّع أربعين ريالاً لكل أسرة متضررة. أما عن قصة التاجر هلال المطيري مع الرجل الكفيف ففيها من الدعابة وخفة الظل ما يدل على تواضعه وسعة صدره واحسانه إلى الناس جميعاً، وفيها أن رجلاً كفيفاً عُرف بخفة ظله، جاءه وهو جالس على حانوت تجاري للسيد زيد الخالد في سوق التجار القديم، ووجه الرجل كلامه إلى صاحب الحانوت مازحاً وقال: جئت أشكو إليك هلال ــــ وهو يعلم بوجوده من صوته ــــ فقد انقض على بعض تمرات في يدي، كنت أنوي الغداء بها قبل ثلاثين سنة، وأنا جالس عند مسجد «ابن فارس»، فضحك هلال، وقال: أما نسيتها؟ فقال الرجل الكفيف: ينسى الصافع.. ولا ينسى المصفوع. وفي تجمل وسماحة أعطاه التاجر هلال المطيري خمسين روبية، فانصرف الرجل الكفيف مسروراً بحمد الله، داعياً له بالرزق. وهكذا كانت حياة التاجر هلال فجحان المطيري سلسلة من القيم والمثل الفاضلة والأخلاق العالية، من التواضع والسماحة وحب الخير والإحسان إلى الجميع. وهكذا كان أهل الكويت في الماضي، يتسارعون إلى بذل الخير للغير، ويحرصون على نشر المحبة والسماحة ومساعدة المحتاجين، رحمهم الله رحمة واسعة وجعل مثواهم جنات النعيم. د. عبد المحسن الجارالله الخرافي ajalkharafy@gmail.comwww.ajkharafi.com
مشاركة :