الجراحة تتركز على عملية التحفيز العميق للدماغ برلين – بعد استنفاد كل الطرق لتخليص مريضة من مرض الاكتئاب، لجأ فريق من الأطباء إلى إجراء جراحة في المخ لزرع أقطاب كهربائية. بعد العملية اكتشف الفريق الطبي تخلص المصابة من كيلوغرامات كبيرة من وزنها. نشرت هيئة الإذاعة البريطانية تقريرا كشف مزايا أخرى لعملية تحفيز الدماغ. أمضت آنَا أغلب سنوات شبابها في صراع مع الاكتئاب، وجربت طرق علاج كثيرة لمساعدتها في الشفاء منه، بداية من مضادات الاكتئاب، مرورا بالعلاج النفسي، وحتى العلاج بالصدمة الكهربائية، من خلال تمرير تيار كهربائي عبر الدماغ بأكمله. لكن تأثير هذه العلاجات لا يدوم إلا لفترات قصيرة، وسرعان ما يعاودها الاكتئاب مرة أخرى. إلا أن آنَا كانت تعاني أيضا من السمنة المرضية المفرطة، إذ كانت تزن 183 كيلوغراما، وبلغ مؤشر كتلة الجسم (أي العلاقة بين وزن جسمها وطولها) 63 درجة، وهذا جعلها قليلة الحركة وبالتالي تفاقمت أعراض الاكتئاب. وكلما زاد وزنها، اشتدت أعراض الاكتئاب والعكس. وساعدت جراحة تحويل مسار المعدة في إنقاص وزنها إلى حد ما، لكن ليس كما كانت تتوقع، كما كان تأثيرها محدودا على الاكتئاب. وأخيرا قرر الأطباء النفسيون، بعد استنفاد جميع سبل العلاج، إجراء عملية زرع جهاز كهربائي في دماغها، وتعرف هذه العملية باسم “التحفيز العميق للدماغ”. ولم تساعد هذه العملية في علاجها من الاكتئاب فحسب، بل أيضا ساهمت في إنقاص وزنها أكثر من طرق إنقاص الوزن الأخرى. إذ كانت تفقد نحو 2.8 كليوغرام شهريا، أي أكثر بنسبة 50 بالمئة من الكيلوغرامات التي كانت تفقدها بعد جراحة تحويل مسار المعدة. المنطقة المستهدفة من الدماغ هي منطقة "النواة المتكئة"، المسؤولة عن المكافأة، ولها أهمية في عملية الربط ما بين المثير والشعور بالمتعة ويقول توماس مونتي، طبيب الأعصاب بجامعة ليوبيك بألمانيا، الذي تولى علاج آنّا، إن الهدف الرئيسي من هذه العملية كان علاج الاكتئاب، لكن إنقاص الوزن كان هدفا ثانويا. إلا أن الوزن والاكتئاب كانا مرتبطين معا في حالة آنّا. وأشارت بي بي سي إلى أن عملية التحفيز العميق للدماغ ربما تظل مثار جدل، لكنها ليست جديدة، إذ يعود اكتشافها إلى ثلاثينات القرن الماضي، حين كان جراحو الأعصاب أقل حذرا بمراحل من جراحي الأعصاب في الوقت الحالي. وقد طور جراح الأعصاب، وايلدر بينفيلد، أسلوبا جريئا لعلاج الصرع، من خلال تحفيز أجزاء مختلفة من الدماغ بمسبار كهربائي، مع بقاء المريض مستيقظا طوال العملية، حتى يقيّم آثارها. وكانت فكرته تدور حول تحديد البؤر المسببة للمشكلة من الدماغ وتدميرها. ويقول مونتي “هذا يشبه كيّ أجزاء من الدماغ” لتعطيلها، وهذ الطريقة كانت تساعد في القضاء على اضطرابات الحركة مثل، خلل التوتر (أو ديستونيا) الذي يسبب تشنجات لا إرادية متكررة أو ارتجافات. وسُميت هذه العملية “الجراحة بالتصويب المجسم”. وفي حالات عديدة، عُدّ العلاج ناجحا، أما التبعات والتغيرات التي طرأت على شخصية المرضى، فقد وصفت بأنها ذات آثار جانبية لا مفر منها. ومع انتشار الأدوية المضادة للذهان والاكتئاب، استغنى الأطباء تدريجيا عن هذه الأساليب العلاجية التي تترك أثرا دائما في الدماغ. ولتنفيذ عملية التحفيز العميق للدماغ، يحفر الأطباء ثقبا صغيرا في جمجمة المريض، ثم يُدخلون من خلاله الأقطاب الكهربائية إلى الدماغ، ويظل المريض مستيقظا في الغالب، حتى يتمكن الباحثون من معرفة البؤرة المسببة للاضطرابات أثناء تحفيز الدماغ. وفي حالة آنّا، كانت المنطقة المستهدفة من الدماغ هي منطقة “النواة المتكئة”، المسؤولة عن المكافأة، ولها أهمية في عملية الربط ما بين المثير والشعور بالمتعة. وأشارت أدلة كثيرة إلى ارتباط هذه المنطقة بالاكتئاب، لأن المصابين بالاكتئاب يفقدون الاهتمام بالمتع. ويقول بيوتر زيلنسكي، طبيب الأعصاب بجامعة التربية البدنية والرياضة بمدينة غدانسك ببولندا، “في هذه الحالات، رأينا أن جراحات السمنة لن تجدي نفعا”، وبالرغم من أن هذه المريضة لم تفقد وزنا هائلا، إلا أن أثر عملية تحفيز الدماغ بدّل حياتها تماما، إذ استطاعت أن تعتمد على نفسها، وتدرس وتفكر في أشياء أخرى غير الطعام.
مشاركة :