أقيمت على هامش فعاليات معرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب في دورته الرابعة عشر، ندوة بعنوان "أسرار التراث النوبي"، أدارها الدكتور صابر عبده أبازيد رئيس النادي النوبي العام بالإسكندرية وطارق حسين، ورئيس مجلس إدارة جمعية نوب للتراث النوبي والتنمية.من جانبه، قال طارق حسين "إن التراث على مر العصور والأجيال يتغير ويحاول كل جيل الحفاظ على التراث بقدر الإمكان، خاصة، لأن النوبة تقع ما بين الشلال الأول فى أسوان إلى الشلال الثالث فى شمال السودان، وتضم 44 قرية مقسم بها النوبيين إلى قسمين كنوز وفاديجا وهم المكون الرئيسى للنوبيين، كما أن أصلهم جاء من أبناء نوح النبي".وأضاف "حسين" "أن التراث المادى الذى ينقسم إلى الملابس والزخارف، والتراث المعنوي والعادات والتقاليد، يظهر فى أغلب الأحيان فى الرسومات على البيوت، فالرجال عند النزول إلى الأرض لا ينزلون بمفردهم وإنما فى جماعة، والسيدات عند النزول لملء المياه من النيل يكونوا فى جماعات، فالجماعة صفة أساسية في الحياة النوبية".وأوضح، أن الملابس فى الشمال كانت فاتحة وألوانها مبهجة، وإنما فى الجنوب كانت الملابس لونها أسود، كذلك فى الشمال تميزت السيدات بدق الشفة السفلى، مؤكدا أن ما يميز بيوت النوبة هو ألوانها المبهجة.فيما قال الدكتور صابر أبازيد "إن بلاد النوبة تمتد جنوب مصر وشمال السودان، بين الشلال الأول جنوبي أسوان، الشلال السادس شمال الخرطوم، وهناك ايضا جبال النوبة في كردفان وأغلب الناطقين باللغة النوبية يعيشون على أرض هذه البلاد في منطقتين ممتازتين هم النوبة السفلي أو المصرية، والنوبة العليا أو السودانية".وأضاف أبازيد، أن هذا التطابق بين منطقة جغرافية تحمل إسم النوبة منذ وقت طويل وسكان يحملون اسم النوبيين وينطقون باللغة أو اللغات النوبية الحالية لم يكن موجودًا منذ فجر التاريخ، بل أنه لم يتحقق إلا منذ القرون الأولى بعد ميلاد المسيح، وقبل ذلك كانت المنطقة مسماه النوبة أو تاسيتي موش للنوبة السودانية الحالية وواوات للنوبة المصرية الحالية، وكان السكان نوبيين نسبة إلى اسم المنطقة الجغرافية".وأشار أبا زيد إلى أنه إذا كانت بلاد النوبة شهدت تعاقب أربع مجموعات بشرية وفقا لعلماء الآثار وتعاقب منذ الأسرة الأولى في العصر التاريخي المبكر حتى نهاية الأسرة العشرين، والدولة الحديثة في مصر القديمة واستمرت إحداها الاخيرة حتى القرون الميلادية الأولى، فإن النوبيين الحاليين ليس امتدادًا لغويًا أو قوميًا لتلك المجموعات البشرية التي لا يمكن إلا افتراض اختلاف وتباين حضارتها وثقافتها ولغتها فيما بينها من جهة وبينها وبين المجموعة الاثنية النوبية الحالية من جهة أخرى".وأوضح أنه لا سبيل إلى الآن وربما إلى الأبد لاكتشاف التسلسل الزمني للغاتها على وجه الخصوص، ففي مقابل التاريخ الغامض للطابع الإثني للمجموعات السكانية التي تعاقبت على منطقة النوبة، نجد الاتصال التاريخي الطويل الأمد بالنسبة للجماعة الإثنية المصرية التي استمرت آلاف السنين، كما أن اللغة المصرية القديمة استمرت آلاف السنين منذ أن قام ما يسمى بجنس الأسرات بغزو مصر حية منطوقة لكل سكان مصر، مكتوبة بالهيروغليفية أو بالهيراطيقية أو بالديموطيقية أو بالطبقة ذات الأصل اليوناني مع التعديلات المصرية".ولفت إلى أنها لم تترك مكانها للغة أخرى إلا بعد الفتح العربي وبصورة تدريجية استغرقت قرونًا طويلة، ولكن في إطار نفس المجموعة الإثنية المصرية الواحدة المستمرة طوال هذا التاريخ الممتد مهما كان هناك امتزاج لثقافات وشعوب أخري معها مع قدوم فاتحين جدد من الجنوب النوبي أو الشمال الأوروبي أو الشرق الهكسوسي أو الاشوري أو الفارسي أو العربي أو التركي او حتى الغرب الليبي.وأفاد أبا زيد بأن فكرة استمرار الجماعة الإثنية أو القومية واحدة منذ فجر التاريخ إلى الآن رغم إحلال اللغة العربية محل اللغة المصرية القديمة في مرحلتها القبطية، ورغم إضافة الإنتماء الجديد إلى الثقافة العربية تثير اشكالية حقيقة وربما وجدت هذه الاشكالية حلًا في حقيقة أن هذه التطورات والتبدلات لم تحدث من خلال إبادة أو تهجير شعب وإحلال شعب آخر محله، بل حدث في إطار استمرارية نفس الجماعة الإثنية التي اكتسبت لغة جديدة وثقافة جديدة، مما أدى إلى تراكب طبقات الانتماءات الثقافية والقومية داخل الجماعة البشرية الأصلية الواحدة.وأكد، أننا إزاء حضارة واحدة متفاعلة الأجزاء امتدت على ضفاف النيل بين الشلال السادس شمال الخرطوم والبحر الأبيض المتوسط شمالًا، طوال عدة آلاف من السنين وهي حضارة واحدة مهما تعددت مراكزها والهجرات الكبري لسكانها شمالًا وجنوبًا، ومهما تعددت الفتوحات ومهما تعددت إسهامات المجموعات الإثنية التي سيطرت في هذا العصر التاريخي، مع التسليم بأن المجموعة الاثنية المصرية الواحدة كانت هي الصانعة الكبرى لحضارة أو حضارات وادي النيل، وأيضًا واقع أن حضارات كوش كانت في كثير من مراحلها من صنع مجموعات نوبية متمصرة ثقافيًا ودينيًا واحيانًا لغة وكتابة.وعرض أبازيد إلى عدد من المراجع التي تتحدث عن النوبة، مثل "كتاب سد عالي فوق أرض النوبة، الإسلام والنوبة في العصور الوسطي، قبائل العرب في مصر، العليقات والجعافرة وقبائل أخرى، آركي، فكر وفن، متحف النوبة".
مشاركة :