الصراع الاقتصادي الأمريكي الصيني .. كيف ستكون مآلاته؟ (1)

  • 4/3/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

يعيش النظام الدولي اليوم حالة صراع اقتصادي متفاقم بين الولايات المتحدة والصين، وفي حال استمرار هذا التحدي بين الطرفين فإن العالم وبكل حتمية مُقدم على كساد كبير كالذي ضرب العالم في القرن الماضي أو ربما أشد قسوة بحسب تقدير المراقبين، أو حتى إمكانية الانزلاق إلى حرب عالمية ثالثة أخرى، فالنظام الدولي القائم قد حقق للدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الكثير من الأجواء والسبل لإحكام القبضة على الاقتصاد العالمي وربطه ببعضه لتكون الولايات المتحدة هي رأس هذا الهرم الاقتصادي العالمي والذي يتحرك بديناميكية ووتيرة معينة لا تسمح لأي عضو من أعضاء الأسرة الدولية بكسره أو الخروج من محيط هيمنته، ونحن قد تناولنا في مقالات سابقة في السنوات الماضية مؤشرات أزمة الاقتصاد العالمي والضغوط التي تُشكلها محددات وتيرة نمو الاقتصاد الصيني وآلية عمله، والتي تسعى بكل قوة وسرعة إلى تحقيق نقطة التوازن المعياري الأمثل على معادلة الخط البياني المحدد لحاجات الإنتاج ومعامل الاستهلاك، وذلك بُغية الوصول إلى النقطة الحدّية المُحققة لمعامل فائض القيمة الإنتاجية وتثبيت معادلتها الصفرية، وقد أشرنا قبل سنوات إلى مثل ذلك المعامل من أن الصين إذا ما استمرت في تحقيق نمو اقتصادي مُطرد بهذه الوتيرة لبناء اقتصادها فإنها ستؤدي في مُحصّلة المطاف إلى ابتلاع وجرف وفرات الاقتصاد الرأسمالي الغربي وتجفيف خزائنه والتي مازالت معاييرها حتى اللحظة مُتمركزةً عالميًا في خزينة الولايات المتحدة وبعض حلفائها من الدول الغربية، وبمعنى آخر نجاح الصين في جر مخزون الوفرات المالية الغربية والأمريكية لخزائنها على المدى البعيد ومن ثم تحقق هيمنتها على الميزان التجاري العالمي، وهو ما سيدفع من جانب آخر إلى حتمية كشف الصين لحقيقة المعادلة المعيارية النقدية للعملات الدولية السائدة، وذلك من خلال الارتكاز على معامل وفرة الإنتاج وتحسين مواصفات شروطه التصنيعية وبأقل الأسعار التنافسية المطروحة في الأسواق العالمية، وهو ما أتاحته للصين قوانين النظام الرأسمالي العالمي الحر واتفاقية التجارة العالمية المحررة للأسواق وكل ذلك يعني الكثير في مضمار السيادة الدولية والتفرد بمركز الصدارة لقيادة العالم، أي أن ذلك النمو الصيني إن قُدر له النجاح في التمدد بوتيرته الحاصلة فإنه سيُلقي بتبعات سياسية كبيرة وخطيرة على صانع السياسات الأمريكية واستراتيجيته البعيدة المدى، وفعلاً أشار الرئيس الأمريكي ترامب قبل أيام إلى تراجع مستوى الميزان التجاري الأمريكي لما يقارب الـ800 مليار دولار وقد حدد ما قيمته 400 مليار دولار من ذلك التراجع نتيجة نجاح سياسة الصين الاقتصادية وتغولها في ابتلاع الأسواق العالمية، والآن هناك تصريحات من قبل الرئيس الصيني والكثير من إشارات المتابعين للشأن الاقتصادي العالمي من أن الإجراءات الاقتصادية الأخيرة التي اتخذتها الإدارة الأمريكية من حيث فرضها نسبة من الضرائب على واردات الصين وغيرها من الدول على الصلب والألمنيوم وما قد يعقبها من ضرائب أخرى على بعض السلع فإن ذلك حتمًا سيؤدي بالضرورة إلى ردود أفعال مُماثلة من قبل الصين والدول الأخرى المُتضررة في هذا المضمار، وهو ما قد يدفع بالدخول في حرب اقتصادية باردة وصولاً إلى حالة الانفجار، ومرحليا ليس هناك من بوادر لقبول صيني بالتراجع عن منهجيتها الاقتصادية المُتبعة وخصوصًا أن صانع القرار الصيني يدرك جيدًا أنها فرصته في ظل الأجواء العالمية السائدة لاستغلال طبيعة التشريعات والاتفاقية الاقتصادية العالمية التي حسنت كثيرًا من فرص نمو اقتصاده الناهض، وفي تقديري أن هذا الوضع لن يكون له مخرج، فالفلسفة الصينية من المفاوضات في هذا المضمار تدفع بضرورة التلاقي على عملية اقتسامية حول إدارة الاقتصاد العالمي وتوازي فرصه بينما الولايات المتحدة ترى أن ذلك من المستحيلات، وهو ما يشي كما تقدم إما بحصول كساد عالمي وإما إمكانية للنشوب نزاع عسكري بين الطرفين وذلك طبعًا في حال عدم تراجع أحد الأطراف عن موقفه، وفي تقديري وعلى قدر ما تتسم به السياسة الأمريكية من براجماتية فإن ذلك ممكن في غير هذا الموقع من عملية التفرد بصدارة الميزان التجاري العالمي، وبمفهوم آخر أن الولايات المتحدة تُفضل نشوب حرب عالمية ثالثة مع الصين ومن سيُناصرها على أن تتخلى عن سيادة الاقتصاد العالمي. إن العقود الماضية التي عاشها العالم صحيح لم يكن بها مُتفرد بأحادية قطبية عالمية على مستوى القرار السياسي للعالم، لكن ومن خلال إجماع كافة المتخصصين في مضمار الاقتصاد الدولي والذين يذهبون إلى كون الولايات المتحدة قد تربعت فعلاً وبلا مُنازع على سيادة وتسيير النظام الاقتصادي العالمي، وعلى ضوء ذلك فإنها اليوم ليست بوارد التراجع عن تلك القوة الناعمة التي بنتها عبر عقود طويلة والتي هي عمليًا تحقق لها النفوذ التام على قرار الدول وتكييف ثقافات شعوبها، وحقيقةً لو كانت الصين أو روسيا هي المُتصّدرة في ذلك المضمار لاتخذت نفس الموقف الرافض باقتسام ذلك التفرد والهيمنة الاقتصادية، وما أقصده هنا أن وضع الولايات المتحدة وموقفها صعب وهي لا تُحسد عليه فالصينيون كما تناولت ذلك في مقالات سابقة بشكل مُفّصل استغلوا تحول الاتفاقيات التجارية العالمية إلى فلسفة الاقتصاد العالمي المفتوح ودعوتها لضرورة تحرير التجارة العالمية البينية والحقيقة أن هذه الدعوات من نادى بها وحمل شعارها ابتداءً هي الولايات المتحدة على مستوى الصعيد الدولي وقد تجاوب معها في ذلك صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية لكنه من الواضح اليوم أن تلك الاتفاقيات قد فتحت على الولايات المتحدة أبوابا مُغلقة لم تكن في وارد الحسبان، وذلك من خلال إجادة الصين قواعد التحول من فلسفة اقتصاد السوق الاشتراكي المركزي إلى فلسفة الاقتصاد الرأسمالي المفتوح أو ما بات يُعرف في الأوساط الاقتصادية بتحول الفلسفة الاقتصادية الصينية إلى فلسفة المشي على ساقين والتي يُقر الجميع بأنها حققت للصين نتائج كبيرة من النجاح في مضمار الاقتصاد العالمي بحيث تذهب المؤشرات العالمية لنمو الاقتصاد العالمي بنفس الوتيرة القائمة وحتى عام 2028م من أنها سوف تكون من حظوظ الصين وبواقع 33 تريليون دولار من إجمالي الناتج المحلي على مستوى العالم، وهو ما يؤكد تفوق مؤشرها على الولايات المتحدة والتي قُدر ناتج إنتاجها الإجمالي المحلي لنفس العام بـ 31 تريليون دولار، وهو ما سيحقق تصدر الصين للميزان التجاري العالمي من الإنتاج بعد أن كانت الولايات المتحدة متصدرة لمضمار عجلة الإنتاج العالمي ومدى حجم عوائده على الخزانة الأمريكية.

مشاركة :