جهود دولية ومحلية لا تتوقف من أجل وضع حد لظاهرة ختان الإناث. لكن الظاهرة التي تتسبب في تشويه الأعضاء التناسلية للإناث ما تزال تمارس على نطاق واسع وفي بلدان عربية ايضا، تحذر الكاتبة الصحفية رشا حلوة في مقالها* لـ DWعربية. في 2003، أقرت منظمة الصحة العالمية أن السّادس من شباط/ فبراير من كل عام هو اليوم العالمي لرفض ختان الإناث، أو كما أطلقت عليه المنظمة الاسم "تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية"، وذلك لتكثيف التوعية حول مدى خطورة الختان وتعزيز القضاء على هذه العادة الخطيرة والضارة بالنساء، والتي لا زالت تُمارس في أكثر من 30 دولة في أفريقيا، آسيا والشرق الأوسط. وعلى الرغم من أننا بعد شهرين من اليوم العالمي لرفض ختان الإناث، إلا أن هذه القضية من القضايا التي يجب تسليط الضوء عليها دائمًا، لأهميتها وخطورة استدامتها وضرورة إيقافها. على الرغم من كل المساعي للقضاء على هذه العادة، التي عملت وتعمل عليها مؤسسات وشخصيات متنوعة منذ أكثر من 40 عامًا، وعلى الرغم من قوانين بعض الدول التي منعت الختان، إلا أن تشويه الأعضاء التناسلية للإناث لا زال يُمارس ضمن خانة العادات والتقاليد، الدين والمجتمع، حيث تقدّر منظمة الصحة الدولية أن أعداد الإناث اللواتي تعرضن للختان حتى عام 2016، هو حوالي 200 مليون فتاة يعشن ضمن الدول التي ما زالت تُمارس فيها هذه العادة، بما في ذلك دول عربية مثل مصر والسودان، بالإضافة إلى بعض المجتمعات التي تعيش حول العالم، وفي حال أجرم القانون عملية الختان، إلا أن هنالك من يجد طريقه لممارسة هذه الجريمة بحق الفتيات والنساء. بداية، من الجدير بالإشارة والتعريف إلى ماهية ختان الإناث، حيث تختلف طريقة ممارسته حسب البلاد وتقاليدها، لكن وفقًا لمنظمة الصحة العالمية: "تجري في بعض الأماكن دون أي تخدير موضعي، وقد يُستخدم موس أو سكين بدون أي تعقيم أو تطهير لتلك الأدوات المستخدمة في هذه العملية. يختلف العُمر الذي تجري فيه هذه العملية من أسبوع بعد الولادة وحتى سن البلوغ. تشمل هذه العملية على إزالة غطاء البظر وحشفته، واستئصال الصغيرين والكبيرين، وختم الفرج، أي إغلاقه، بحث لا يُترك إلا فتحة صغيرة للسماح بمرور البول ودماء الحيض، وفتح المهبل للسماح بالجماع والإنجاب لاحقًا"، وحسب تقرير اليونسيف، فإن: "أغلب الإناث اللاتي تجري عليهن عملية الختان، لم يتعدين الخامسة من العُمر. في حديث مع صديقة من مصر، حول "ختان النساء"، قالت: "بالنسبة لي، إن عادة ختان الإناث، هي صورة حقيقية عن كيف ترى المجتمعات الأبوية الفتاة/ المرأة وكيف تعاملها، كما أن فرض الختان يلخص بقسوته كيف يتم انتهاك أجساد النساء ومنح هذا الانتهاك غطاءً يخدم أمزجة المجتمعات وعقلياتها الذكورية، من خلال النساء أنفسهن أيضًا". أبحاث عديدة ومطولة ونضالات مستمرة لمؤسسات حقوق إنسان، نسائية ونسوية، بما في ذلك في الّول العربية التي ما زالت تُمارس فيها عادة "ختان الإناث"، أفادت بوضوح بأنه لا يرجى أي فائدة صحية لهذه العملية للنساء! إذن، ما هي ادعاءات من زال يتمسك بها بأسنانه ويدافع عنها، بل يصر على مواصلة ممارستها؟ أجابتهم ستكون: "الطهارة، العفة والتواضع"، كما أن هنالك من يعتبر هذه العملية مدعاة للشرف، وأن من لا يمارس الختان على بناته، يعرضهن للعار والإقصاء الاجتماعي. وهذه الإجابة تعيدنا إلى السؤال المركزي المتكرر: هل جسد المرأة سيبقى المسؤول عن شرف المجتمعات؟ وبالتالي، بإمكاننا التأكيد من جديد بأن "ختان الإناث" هو من أبرز أشكال التمييز الجنسي والتمييز ضد النساء، بل ولربما أكثرهم قسوةً وتدخلًا بأكثر الأماكن حساسية لأجساد النساء ورغما عنهن، كمحاولة للتحكم بحيواتهن الجنسية، بلا أي اعتبار للآثار الصحية الجسدية والنفسية التي يمكن أن تعاني منها الفتاة المختونة، والتي تؤدي أحيانًا إلى الوفاة. في حديث مع فرح برقاوي، ناشطة نسوية ومنسقة ومحررة مشروع "ويكي جندر"، قالت: "هنالك تبريرات دينية لعملية ختان الإناث، لكن في العام 2007، أصدر المجلس الأعلى للبحوث الإسلامية فتوى تنص على أن ختان الإناث ليس له أي سند في الشريعة. لكن هنالك تبريرات أخرى تندرج داخل منظومة المجتمع للتعامل مع الأنثى، وحضورها كإنسانة مهذبة وخلوقة ومنضبطة، ليس لديها أي رغبات، هي ملك للأسرة والمنزل، وبالتالي مشاعرها وسلامتها الجسدية ورغباتها الجنسية لا تؤخذ بعين الاعتبار، بل تُقيد حتى لا ترتكب ما يظنون قد يفضح أو يضر بسمعة الأسرة. تكمن الأزمة بالجهل من عواقب هذه العملية وآثارها السلبية على المرأة، العملية لها علاقة بالنظرة الدونية للمرأة ورغباتها ومشاعرها، ومحوَرَة كل حياتها في المنزل. أما الحل فيكمن في مجهود الدولة ومؤسساتها على توفير التعليم والصحة والتثقيف الجنسي والأمان الحقيقي للناس، بحيث لا يخافون أو يلجأون طيلة الوقت للتحجج بالخوف على ما يدعونها "أعراضهم". كما من الضرورة توفير الرّقابة وتحقيق العدالة في مواجهة هذه الجرائم التي ترتكب بحق الفتيات والنساء". امتدادًا من النقطة التي تطرقت إليها فرح برقاوي، ومسؤولية الدولة ومؤسساتها للحد من هذه العادة/ الجريمة، حيث لا تقتصر مسؤوليتها بفرض قوانين تجرم العملية فقط، بل أيضًا ضرورة متابعة ومراقبة واتخاذ خطوات جذرية ضد هذا الفعل الذي يُمارس من قبل أصحاب مهنة أو عيادات خاصة وغيرها، وضرورة أن تنخرط هذه الخطوات الجذرية ضمن مناهج التربية والتعليم، لتؤثر على منظور الناس حول "ختان الإناث" ورفضه تمامًا، خاصة في المناطق التي ما زالت تُمارس هذه العادة/ الجريمة، لأنها فقط تعود بالضرر إلى الفتاة المختونة، على المستوى النفسي والجسدي، هذا في حال كانت الدول التي نتحدث عنها تحاول الحد فعلًا من العادة. والأهم بمواجهة ومحاربة هذه العادة/ الجريمة، وهو ما يفعله العديد على مستويات نضال إنسانية، نسائية ونسوية عديدة، هو التأكيد المتواصل بأن أخلاق البشر لا علاقة لها بأعضائهم التناسلية. * المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW
مشاركة :