ما إن غابت شمس النهار خلف زرقة مياه البحر المتوسط الممتدة على ساحل مدينة العريش، بشمال شبه جزيرة سيناء المصرية، (شمال شرقي القاهرة)، حتى سارعت المسنة «فاطمة عبد القادر» لحافة الشاطئ لتبلل مياه البحر قدميها، ثم تواصل سيرها وتلقي بنفسها في حضن أول موجة تقابلها، وتبقى جالسة في استقبال موجات أخرى لمدة 15 دقيقة، تحرص خلالها على أن تصل المياه لكل موضع في جسدها الواهن من فوق ثوبها الأسود المطرز بخيوط ملونة، وهي تتمتم بعبارات وأدعية، تعقبها بملء وعاء تحمله بمياه البحر، غير عابئة بنظرات ترمقها من آخرين على الشاطئ.إلقاء السيدة فاطمة، التي تجاوز عمرها السبعين سنة، لنفسها في مياه البحر مع غياب الشمس في سكينة واطمئنان، لم يكن وليد الصدفة، فهو تقليد شعبي قديم تحرص عليه في هذه اللحظات من كل عام. وهي لحظة حلول أول ليلة أربعاء تسبق الاحتفال بيوم شم النسيم في مصر، المقرر هذا العام يوم الاثنين المقبل الموافق 9 أبريل (نيسان). وهي عادة يمارسها أهالي سيناء من سكان المناطق القريبة من ساحل البحر المتوسط، ويسمونها «احتفال أربعاء أيوب».تمتد سواحل محافظة شمال سيناء على البحر المتوسط، وفقا للمعلومات الرسمية لهيئة السياحة بشمال سيناء، بطول 120 كيلومترا، من منطقة رمانة غرباً حتى رفح شرقاً. وأشهر الشواطئ بها: «رمانة»، و«المساعيد»، و«العريش»، و«الخروبة»، و«الشيخ زويد»، و«رفح».تشير المسنة فاطمة، بعد انتهائها من طقوس قضاء لحظات غروب الشمس على الشاطئ، في مكان وجودها في منطقة الـ«أيوب» على ساحل مدينة العريش، إلى أنها تحضر سنوياً في هذا التوقيت منذ 45 سنة. وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «إنها تحيي الاحتفال بذكرى شفاء نبي الله أيوب، ضمن آخرين من جيلها، لديهم اعتقاد بأن نبي الله شفي من مرضه العضال بعد أن غمرته مياه البحر على شاطئ العريش». وأضافت أنه قبل 15 عاماً، كان لاحتفالهم بـ«أربعة أيوب»، (كما تنطقها باللهجة الدارجة في سيناء) حضور أقوى، حيث تخرج الغالبية من سكان المدينة، بينهم المرضى، ومع غياب الشمس يلقي الجميع بأجسادهم في أحضان البحر بنية التعافي من الأمراض، أو بغرض استرداد العافية للكبار في السن، والحصانة من الأمراض للأطفال الصغار؛ لكن الحضور تراجع من المشاركين، حتى أنه في العامين الأخيرين لم يعد يحضر للشاطئ غير أعداد قليلة من كبار السن، بسبب الظروف الأمنية التي تمر بها المدينة.من جهته قال سالم محمد، مدير إدارة السياحة بشمال سيناء لـ«الشرق الأوسط»، إن احتفال أهالي سيناء بـ«أربعاء أيوب»، هو تقليد شعبي توارثته الأجيال، وهو وراثة لمعتقد شفاء نبي الله أيوب على شاطئ العريش. ونظراً لأن الاحتفال يجذب إليه كثيراً من الزوار للشاطئ، فهو مصنف كأحد المناسبات والمهرجانات الشعبية الرسمية، التي تحظى باهتمام رسمي، ويتم التجهيز له واتخاذ كافة الإجراءات الرسمية لتوفير متطلبات الزوار على الشاطئ وسلامتهم، وكذلك حمايتهم.ومن بين المهتمين بمتابعة هذا اليوم «ياسر الشريف»، أحد شباب مدينة العريش، الذي يحرص على المشاركة بالحضور مع أصدقائه، لمشاهدة احتفالات الأهالي ووجودهم على الشاطئ.يقول الشريف لـ«الشرق الأوسط»، إنه غير مقتنع بالرواية المتداولة حول المناسبة، ولكنه يعتبرها فرصة جيدة لعودة الحياة إلى شاطئ العريش بعد فترة ركود طوال الشتاء. وأضاف: «يعقب احتفال الأهالي بـ(أربعاء أيوب)، دخول يوم شم النسيم، ثم بداية وجود الزوار على الشاطئ يوميا».وقال سمير عبد الله، أحد أصحاب الفنادق الشعبية على شاطئ مدينة العريش، لـ«الشرق الأوسط»،: «إن الأوضاع الأمنية التي تشهدها محافظة شمال سيناء، تسببت في تراجع استفادة أصحاب العقارات السياحية من هذه المناسبة». وأوضح أنه قبل 5 سنوات، كان احتفال «أربعاء أيوب» يوماً جيداً للتسويق السياحي، ودعوة السائحين وزوار المحافظة لمشاهدة احتفال الأهالي بالمناسبة.
مشاركة :