محمد العريان * مع دخول الفصل الثاني من عام 2018 ينصح صناع القرار وفعاليات الأسواق بالنظر إلى الشهور الثلاثة الأولى التي مرت على أنها ظاهرة عابرة غير مستدامة وقابلة للارتداد، تبشر بالانتقال إلى الظروف الطبيعية.فقد تأخر تذبذب أسعار الأصول صعوداً وهبوطاً وكان حتمياً بعد الهدوء الاستثنائي الذي ساد عام 2017.وحدثت موجة التذبذب خلال الفصل الأول في ظل اقتصاد عالمي قوي مع استمرار مسار تطبيع السياسات النقدية وزيادة حدة الحساسية حيال المخاطر السياسية. وفي حال تجاهلنا بعض المخاطر نجد أننا في خضم عملية إعادة تموضع تعيد تثبيت الأسواق على مسار النمو متوسط الأجل.وفي محاولتي لفهم ما جرى وجدت من المنطقي التركيز على عدد من العوامل التي كانت مفترضة العام الماضي لكنها لم تحدث سوى في الفصل الأول من هذا العام. ونتج عن تأخرها إعادة تسعير موجة التذبذب ورفع معدلات أسعار الفائدة بلا مخاطر، وهما من أهم عوامل تحريك الأسواق.فرفع أسعار الفائدة ومخاوف التضخم والحرب التجارية طرأت كلها في وقت كانت الأسواق فيه مستعدة سلفاً لثلاث خطوات يتخذها الاحتياطي الفيدرالي هذا العام، وهو ما رفضت الأسواق تسعيره طوال عام 2017. ونتج عن فشللها في التحقق العام الماضي زيادة في قوة الضغوط التي مارستها بداية العام على التذبذب وعلى معدلات العائد التي تقنع المستثمرين بأن كل هبوط في الأسواق يشكل فرصة شراء جديدة.وبدلاً من أن تمر موجة التذبذب مرور الكرام، استمرت لفترة أطول مصحوبة بظروف غير عادية في الأسواق. أما مآل تقييمات الأسواق في ظل هذه الموجة فهو متوقف على العوامل التالية:أولاً: طول أمد الانتعاش في الاقتصاد العالمي: لقد استفاد الاقتصاد العالمي من أربع مصادفات سعيدة هي معدلات نمو أعلى، والتعافي الطبيعي في الاقتصاد الأوروبي، وخروج البرازيل من عنق الزجاجة الذي نتج عن الاضطرابات السياسية، وسياسات دعم النمو في الولايات المتحدة. ولكي تستمر دورة النمو الافتراضية لا بد أن تصبح محفزات السياسة الاقتصادية أكثر فاعلية خاصة في منطقة اليورو.ثانياً: اعتماد آلية التنسيق في التجارة العالمية: تراجعت مصداقية نظام التجارة العالمي نتيجة الفشل في معالجة خلل توزيع الأدوار وآليات التبادل في ظل العولمة. إلا أن معادلات العرض والطلب المتشابكة عبر الحدود تعرقل عودة سلسة إلى نظام التبادل التجاري الحر. والأمل معقود على أن تسفر التوترات الحالية في السياسات التجارية عن إدراك أعمق لأهمية الانفتاح وإزالة الحواجز من طريق حركة التجارة العالمية في ظل فهم أوسع لطبيعة الاقتصاد العالمي وأبعاد حقوق الملكية الفكرية وتحديث الاتفاقات التجارية ورفع التعرفة الجمركية.ثالثاً: المضي قدماً في تطبيع السياسات المالية: في الوقت الذي تبدو الظروف مواتية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي للمضي في تطبيع سياسته المالية، يواجه بنك اليابان والبنك المركزي الأوروبي مشاكل خاصة. ومن هنا لا بد من أن يتم استخدام المناورة في توجيه الأسواق بالتزامن مع المتابعة الدقيقة للمؤثرات العابرة للحدود والتي من المنتظر أن تتزايد نهاية العام نتيجة تناسق وتزامن خطط تخلي البنوك المركزية الرئيسية عن السياسات غير التقليدية.رابعاً: تجنب الصدمات الجيوسياسية: رغم غياب كوريا الشمالية عن رادار الأزمات حالياً لا تزال منطقة الشرق الأوسط مرشحة لمزيد من التصعيد وهو ما لا تستطيع الأسواق تسعيره في الوقت الحالي ما يبقيها عرضة لهزات مفاجئة.خامساً: حوادث الأسواق الطارئة: شجع الهدوء الاستثنائي والظروف الإيجابية التي سادت عام 2017، بنوك ومؤسسات الاستثمار على الإقدام على المزيد من المخاطر. وآثار بعض تلك المخاطر لم تظهر خلال الربع الأول من العام الحالي. وهذه قضية بحاجة إلى تركيز وانتباه شديد خاصة عندما يتعلق الأمر بالأصول غير المسيلة.والسؤال المهم للأسواق هو ليس ما إذا كان تذبذب الفصل الأول سوف يستمر. فهو غالباً مستمر. وتبقى مسألة ما إذا كنا نعيش مقدمات انتقال الأسواق إلى مرحلة استقرار في المدى المتوسط، أو ربما مرحلة استقرار مالي واقتصادي أكثر رسوخاً. من جهتي أرجح الحالة الأولى باحتمالات تصل ما بين 35 و65%، وهذا يعني ضرورة التركيز على متابعة العوامل الخمسة سالفة الذكر. * كبير الاستشاريين في شركة أليانز
مشاركة :