بيروت – أنديرا مطر| في الجولة الاولى لمثقف مصري في جبل لبنان، وقف على قمة جبل صنين وقال: «الان فهمت لماذا ارتكب اللبنانيون حربا اهلية ولماذا يتوزعون عصبيات متناخرة ومتحالفة.. والسبب هو الجغرافيا البشرية والطبيعية اللبنانبة، اذ يستطيع ان تختبىء ميليشيا في حربها مع اخرى في التلال والاودية وتستطيع ان تلتف عليها من جهة خلفية، كما يمكنها ان تتحالف ضدها مع عصبية قروية مجاورة». كان المثقف المصري مسكونا بهاجس الجغرافيا البشرية المصرية الممتدة والمنبسطة افقيا الى ما لا نهاية؛ اذ تستطيع دبابة او مجموعة دبابات ان تسيطر على وادي النيل كله في حال اتخذت مواقع لها في الدلتا. محاولة فهم التحالفات الانتخابية، التي عقدتها القوى السياسية اللبنانية في ما بينها، قد تبدو شديدة الاستعصاء، بل خارج كل منطق. ولن نستغرب مثلا ان نجد خصمين سياسيين وقد جمعتهما الانتخابات النيابية في لائحة واحدة، او حليفين في السياسة فرقتهما الانتخابات في لوائح متنافسة، كما أن الحليف في دائرة معينة قد يصبح خصما في دائرة أخرى والعكس أيضا صحيح، والتبريرات كثيرة وجاهزة: «قانون الانتخاب الجديد حتم علينا تحالفا ظرفيا، مصلحيا، آنيا وموضعيا». وهل كانت السياسة اللبنانية يوما غير ذلك؟. فمنذ استعادة لبنان حياته السياسية بعد انتهاء الحرب الاهلية، وعودة المؤسسات الرسمية الى عملها، لم تشهد دورة انتخابية ظواهر غرائبية كتلك التي يعاينها اللبنانيون في هذه الأيام. سيقال انه من البديهي ان تتغير المعايير بتبدل قانون الانتخاب، فهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الاقتراع وفقا لقانون نسبي يعتمد على صوت تفضيلي واحد. ومع أنه الأكثر عدالة في تمثيل المقترعين، إلا أنه يخلق مناخا ملائما لشد العصبيات عند تركيب اللوائح ثم ينقل المعركة إلى أعضاء اللائحة الواحدة الذين سيتقاتلون على الصوت التفضيلي. لا يبدو ان في الامر مبالغة إذا اعتقدنا أن كل المكونات السياسية اللبنانية تنظر بعين الحسد والغيرة الى الثنائي الشيعي. فهو اول من نسج تحالفاته وسجل لوائحه وراح يتأمل خصومه وحلفاءه يخبطون خبط عشواء في متاهة تحالفاتهم. تحالف حزب الله وحركة أمل هو الثابت بين متحولين، وذلك بفضل امتلاكه أوراقا رابحة تفتقدها باقي الأحزاب، ان كان من ناحية المناطق شبه الصافية لجمهوره او من ناحية تكتل هذا الجمهور في «بلوك» واحد، ومن دون إغفال العامل الأساسي أي سلاح حزب الله و«وهجه» داخليا. في جولة سريعة على تشكيلة تحالفات التيار الوطني الحر الذي يرتبط بوثيقة تفاهم مع حزب الله عمرها 12 سنة؛ وبورقة نوايا مع «اخيه» المسيحي حزب القوات اللبنانية منذ سنتين، لكنه لم يبرم تحالفا انتخابيا معه في أي دائرة، في حين اكتفى بالتحالف مع حزب الله في دائرتين فقط هما بيروت الثانية وبعبدا. من هم حلفاؤه الذين سيخوض الانتخابات الى جانبهم؟، هم مجموعة من أحزاب وتيارات تمتد من أقصى اليمين الى اقصى اليسار، وتتنوع بتنوع الدوائر، فقد يحدث ان يتحالف التيار الوطني الحر مع تيار المستقبل في دائرة بيروت الأولى على سبيل المثال، وينافسه ويتحالف مع خصمه في دائرة بيروت الثانية. وقس على ذلك. وفي دائرة بعلبك الهرمل تحالف التيار مع حزب البعث ضد المستقبل حليفه الجديد حكوميا، وضد حزب الله حليفه الاستراتيجي، اما في زحلة فكان التيار الى جانب المستقبل ضد الثنائي الشيعي، وفي البقاع الغربي تحالف مع الثنائي الشيعي ضد المستقبل. أما في جزين – صيدا، فقد تحالف التيار الوطني الحر مع الجماعة الاسلامية ولم يتحالف مع المستقبل او الثنائي الشيعي، اما في النبطية – مرجعيون – حاصبيا فالتيار متحالف مع المستقبل ضد الثنائي الشيعي والحزب القومي. وبالانتقال الى صور – الزهراني فقد تحالف التيار مع الحزب الشيوعي ضد الثنائي الشيعي. استنفاد الألوان وقد يبدو الرسم الذي انتشر منذ أيام على مواقع التواصل الاجتماعي، ويبرز تحالفات الوطني الحر في دوائر لبنان كلها وقد استنفد كل الألوان، لشدة تنوعها، تعبيرا حقيقيا عن مروحة تحالفاته التي تفسرها مصادر التيار بأنها ترجمة حقيقية لسعيه الى شراكة فعلية مع الجميع، ولرغبة منه بمد اليد الى الجميع، فهو الحزب الوحيد الذي يتواصل مع الجميع وتحالف مع اكبر عدد ممكن من المكونات اللبنانية. اما من لم يشمله التحالف فلأنه بكل بساطة لا يرغب بذلك. تسمي المصادر القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي تحديدا. الكلام عن تشكيلة تحالفات لا تزعج التيار، تقول المصادر: القانون الجديد الزم كل حزب بأن يعمل لمصلحته الانتخابية وفق كل دائرة. ولكن اين سيكون هؤلاء الحلفاء بعد السابع من مايو؟ الأكثرية سوف تنضم الى كتلة «لبنان القوي» التي ستكون داعمة للعهد في تنفيذ مشاريعه للنهوض بالبلد، «القوات» منسجم مع نفسه امينة سر حزب القوات اللبنانية شانتال سركيس تشرح لنا خريطة تحالفات حزبها على الشكل التالي: في دائرتي بعلبك الهرمل وعكار تحالفنا مع تيار المستقبل. في دوائر جزين وصيدا وبيروت وزحلة تحالفنا مع حزب الكتائب، وفي باقي الدوائر تحالفنا مع شخصيات مستقلة تتلاقى مع «القوات اللبنانية» في الكثير من مبادئه. وتعتبر سركيس ان تحالفات حزب القوات اللبنانية هي تحالفات طبيعية ضمن منظومة 14 آذار، وهي منسجمة مع مبادئه. اما غياب أي تحالف مع التيار الوطني الحر فعائد الى رفض الأخير «على الرغم من اننا طالبنا بالتحالف في الدوائر حيث للصوت المسيحي تأثير في المقاعد مثل مرجعيون والزهراني او عكار»، وسبب رفض التيار التحالف مع القوات هو إصراره على تسمية المرشحين وحده. اما تيار المستقبل فربما تنطبق عليه عبارة «تبقى وحيدا وتندم»، فهو يخوض اقسى معاركه في هذه الانتخابات مقارنة بالدورات السابقة، ويواجه تحديات تبدأ بتقليص كتلته ولا تنتهي بأزمته المالية التي ستؤثر حتما في النتائج التي سيحصل عليها في هذه الانتخابات، كما انعكست في السابق على شعبيته في صيدا وطرابلس وبيروت.
مشاركة :