بين حين وآخر نسمع ونشاهد أحداثاً عابرة هنا وهناك في العالم تصل إلى حد السخونة، ثم سرعان ما تخبو وتتلاشى وتعود الأمور إلى مسارها الطبيعي، ورغم حدة التوتر العسكري القائم بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأميركية فإنها ظلت تتأرجح بين الشد والجذب، ولم تصل إلى حد المواجهة المباشرة، والتحضير لحرب شاملة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى أحداث "ميانمار"، وعمليات التطهير العرقي الخطيرة التي تمارسها السلطات البوذية ضد شعب روهينغيا المسلم، فإنها لم تنل النصيب الكافي من الاهتمام الغربي ووسائل إعلامه التي كان حضورها متواضعا ومخجلا للغاية، ولم تحرك فيه نوازعه الإنسانية التي يتباهى بها دائما أمام العالم، ولم يدفعه حرصه المزعوم على مبادئ العدل والديمقراطية وحقوق الإنسان إلى تحريك سفنه وأساطيله العسكرية لتأديب أقطاب المجرمين في "نايبيداو" عاصمة ميانمار وتقديمهم إلى المحاكمة كما فعلوا مع صدام حسين. ورغم هذه الأحداث المتقطعة، فإن العالم يعيش في سلام وأمان، ويمارس حياته بصورة طبيعية، إلا منطقة الشرق الأوسط، وعلى وجه التحديد المناطق العربية فإنها على فوهة بركان مشتعلة دائما، لم تهدأ للحظة منذ أن تحررت من الدولة العثمانية، وشكلت دولها المستقلة وفق تقسيمات سايكس بيكو الاستعمارية، فإنها ظلت وما زالت تحت إشراف ومراقبة الدول الغربية لم تغفل عينها عنها، فارضة وصايتها عليها بصورة أو بأخرى، وإذا اقتضت الضرورة لحفظ مصالحها فإنها تتدخل مباشرة كما حدث في حربي الخليج الأولى والثانية. فالأسئلة التي تطرح نفسها هي: ماذا تريد الدول الغربية من المنطقة؟ ولماذا تسلط تركيزها الشديد عليها وتجعلها تعيش في حالة توتر دائمة؟ هل لأنها تعوم على بحر من النفط والغاز؟ أم أن ضمان حماية أمن إسرائيل الحليفة الاستراتيجية يقتضي ذلك؟ أم أنها تمثل أهمية استراتيجية استثنائية بالنسبة إلى الملاحة والتجارة الدوليتين، وتصل القارات الثلاث آسيا وإفريقيا وأوروبا بعضها ببعض؟ ربما للأسباب الثلاثة. ولكي تسيطر دول الغرب على المنطقة وتتولى شؤونها وتخضع شعوبها لهيمنتها، اعتمدت استراتيجية "الفوضى الخلاقة" التي تقضي بإنهاك المنطقة وضرب بعضها ببعض سواء عرقيا أو مذهبيا، والإطاحة بأنظمتها التقليدية وإشاعة فتنة عارمة تجعل الحليم حيرانا! كما جاء في الحديث الذي ينسب إلى النبي، وهي لا ترضى بأقل من فوضى تدخل كل مدينة وكل بيت، وترفض بل تطيح بأي مشروع سياسي لا يوافق مشروعها الاستراتيجي الجهنمي. فرفضت الإسلام السياسي المعتدل وأطاحت به، ورفضت الإسلام الراديكالي وشنت عليه حربا ضروسا لا تبقي ولا تذر، ورفضت الأنظمة العلمانية الحليفة لها من العرب والكرد، وأدارت لها ظهر المجن لأنها غير متحمسة كفاية لمساندة مشروعها التدميري وخرجت عن طوعها، في حين أيدت قوى ميليشياوية متطرفة وأمدتها بالسلطة والسلاح والمال والدعم السياسي لكي تستمر آلة القتل والتدمير في حصد أكبر عدد من الضحايا وإلحاق أشد الأضرار بالمدن، وتدمير البنية التحتية من أساسها دون أي مراعاة للجوانب الإنسانية والقانونية التي تتشدق بها دائما وتدعي أنها ترعاها وتحافظ عليها. * كاتب عراقي
مشاركة :