المحرر الثقافي:على وقع ترانيم الأصوات الشبابية وموسيقاهم، وعلى وقع تلاوتهم للقصائد المنتقاة.. وبالتزامن مع إغلاق «جهة الشعر»، نظمت «مساحة مشق للفنون»، بالتعاون مع مجموعة من الشباب، منتصف (مارس) الماضي، احتفاءً بالشاعر الكبير قاسم حداد، وبصدور مجموعته الشعرية «ثلاثون بحرًا للغرق»، في رسالة وفاء لهذه القامة الشعرية، التي قدمت لمملكة البحرين الكثير، واضافت للتجربة الشعرية الحديثة في العالم العربي الكثير كذلك.بهذا الاحتفال الذي حضره قاسم ومجاميع من الشغوفين بتجربته، وباللغة والشعر، عبر هؤلاء الشباب عن تكريمهم لهذه القامة، تعبيرًا جاء مزاوجًا لأشكال الإبداع المختلفة، فمن الموسيقى إلى الغناء، مرورًا بالإلقاء الممسرح، وصولاً إلى كلمة مقتضبة ختم بها قاسم الحفل، إلا أن هذه الكلمة لم تكن حروفًا متجاورةً تشكل كلماتٍ ينطلق بها فاهُ قاسم، إنما هي تعبيرٌ شعري، رسم صورةً شاعرية تتجاوزُ الكلمات وأدوات اللغة، تلك كانت دموع قاسم التي انهمرت لتعبر عن امتنانها بهذه الشبيبة، وبهذا الاحتفاء.قال قاسم، معقبًا على ما قدمه الشباب: «إنني أسمعُ قصائدي بأصواتكم، وهذا ما يعطيني عمرًا جديدًا، يجعلني أتحدى الفيزياء التي بلغت بي السبعين من العمر»، ولأنه استخدم الفيزياء، فقد كان للفسيولوجيا عملٌ يرتبطُ بمراكز العاطفة، إذ هربت دموع قاسم، لتعبر بكل فصاحة وبساطة، عن شاعرية تلك اللحظة التي كُتبت بماء العين، لتخلق قصيدة أقوى في وقعها على المتلقي، من أي قصيدة أخرى تكتبها الحروف.وشهدت الفعالية العديد من الفقرات، بدءًا بالموسيقى، إذ انتقى الموسيقي البحريني، محمد المرباطي، مجموعة من القصائد التي لحنها وغناها في هذا الحفل، بمشاركة الفنانة سوسن الصائغ، وعازف الكمان السعودي حسين عبدالله، بالإضافة إلى عازف الجيتار عبدالله الصفار، وعازف البيس خليل محمد، كما عزف المرباطي على آلة (الهارمونيكا) و(الكيبورد)، بالتزامن مع غنائه.أما فقرة إلقاء القصائد، فقد شارك فيها الشاعران حسين أبوصفوان، وسيد أحمد العلوي، والشاعرات زينب مرضي، وملاك لطيف، وجمانة القصاب، إذ قدموا إلقاءً مغايرًا، وظفت فيه المهارات المسرحية لخلق تجربة تنقلُ الشعر من سكون المكتوب، إلى فضاء المتلقي المتفاعل مع التجربة. يذكر أن ديوان الشاعر قاسم حداد «ثلاثون بحرًا للغرق»، صدر مؤخرًا عن «منشورات المتوسط»، ووقّع في النسخة الـ(24) من «مهرجان الأيام الثقافي للكتاب»، إذ يعبرُ قاسم في ديوانهِ هذا -كما جاء على لسان الناشر- عن تلك «الوحشة التي تصيب الشاعر، وتبين الاختلاط بين أيامه هذه وبين ذاكرته وأشخاصها، إذ يتحرك الشاعر سريعًا كمن يريد تسديد ديون للتجربة، للحياة، للحاضرين ولمن كانوا حاضرين، للغائبين ولمن يستعدون للغياب».وجاءت قصائد «ثلاثون بحرًا للغرق» -كما تبدو- احتفائية بالآخر، «الآخر المسهم في إنشاء الذات وتكوينها»، متنوعةً بين نصوص نثرية، وقصائد حرة، وبين قصائد التفعيلة التي «لا تختلف اللغة فيها، عن اللغة الرصينة الصلبة التي كتب فيها صاحب (الجواشن) و(النهروان) معظم أعماله الأدبية التي فاق عددها الخمسة عشر».
مشاركة :