رجل المرور، أتمنى أن يحصل على صلاحيات واسعة يستخدمها مباشرة، ويطبقها خاصة الروادع والعقوبات على السائقين في بلادنا مباشرة وبدون مراجعة، أقول هذا لأننا نعاني من تأخر في التربية القيادية للمركبات، ونحتاج إلى إعادة تأهيل كمجتمع والصلاحيات الواسعة والصرامة لرجل المرور هي واحدة من أساليب هذه المعالجة، أعرف مثل ما يعرف غيري أن الازدحام، وضعف المهارات القيادية للمركبات تكاد تكون ظاهرة في أكثر من مكان في العالم، وان هناك مدنا كبيرة أصبحت هذه الخصائص او النقائص ملازمة لها، ومع ذلك لا أرى أن هذا عذر أو منطق نتغافل به عن عنصر مهم يجب تعديله وبسرعة قصوى. أنا وغيري كثير من الناس لا نحب الزحام، وطبيعي أن ننفر من القيادة البعيدة عن القانون والنظام والتي تعرض حياة الناس وممتلكاتهم للخطر، واحدة من القصص حول موضوع القيادة والفوضى التي تسببها حدثت معي قبل مدة حيث كنت في زيارة لمدينة مشهد الإيرانية بسيارتي الخاصة، وكنت قادما إلى الأراضي الإيرانية من بلاد تقع شمالها، وأثناء استعدادي للرحلة سألت أحد الأصدقاء عن الطريق، واللغة، والفنادق، والقيادة. ضحك الرجل وقال بلغة من يسرد طرفة قادرة على إضحاك المستمعين: اسمع يا صديقي، يقال وهذا ما نسمعه ونحن أطفال، أن أسوأ قائدي المركبات موجودون في إيران، ويقال أيضا: إن أسوأ سائقي المركبات في إيران يعيشون في مدينة مشهد. أنهى حديثه وضحك بقوة، وحاولت إيقافه ليكف عن المزاح، فأكد لي أن ما قاله فيه كثير من الحقيقة وليس مزاحا. المفيد أنني تابعت رحلتي التي لم تطل إلى مدينة مشهد، وعندما دخلت ضواحي المدينة تذكرت كل مشاهد الازدحام التي مررت بها في حياتي لأجد لها شبيها، ولكن لم تسعفني الذاكرة. الأرض خضراء والجبال تكسو قممها البعيدة الثلوج، والسيارات تملأ كل شبر في الأرض. وقفت في مكان على طرف دوار وقلت في نفسي: لعل هذا أبوالدوارات في البلاد الإيرانية، وحاولت الحديث مع أحد ليرشدني إلى أين أتجه وأنا أقصد عنوان الفندق الذي سأقيم فيه، بعد وقت نجحت في التفاهم ببعض العربية وقليل من الإنجليزية مع رجل مسن ومعه فتاة في سيارة مرسيدس قديمة جدا، قالت لي الفتاة عندما فهمت أنني شبه ضائع: اتبعنا وكن حذراً، كانت سيارتهم الهدف الوحيد الذي أركز عليه نظري ولم أسمح لأحد بالتوسط بين السيارتين، وكنت في بحر من السيارات، والدخان يتصاعد من العوادم، وأصوات الأبواق تضفي على المشهد بعدا صراعياً لا يمكن نسيانه. وصلنا لمقر الإقامة وكان فندقا ميزته حدائق تحيط به من الجهات الأربع أودعت في إحداها سيارتي حتى جاء يوم المغادرة وساعدني موظف من الفندق دفعت له بضعة دولارات، بالخروج من الفندق والمدينة، إلى الطريق الدولي. لا نريد فوضى الآخرين تنتقل إلينا، ونحن اليوم نعالج كثيرا من أخطاء الماضي، فليكن نظام السير في المقدمة، واحترام نظام المرور من الأولويات، هناك خطوات إيجابية تتحقق من المراقبة بالكاميرات، واشتراط ربط أحزمة السلامة وتسجيل المخالفات الالكترونية، على الطرق السريعة، كل ذلك جميل، ومقدر، ومشكور لإدارات المرور ولأجهزة الدولة، ومع ذلك يبقى التطوير الحقيقي لرجل المرور الذي يجب عليه هو الآخر إيصال رسالة الجدية والأهمية لشخصه وللسائقين عندما يقف ويوزع التوجيه، والمنع والمنح للمركبات، ولا يبقى أمام الناس، وتفكيره وبصره في شاشة جهاز هاتفه النقال. أخطاء الماضي تراكمت من المواطنين والوافدين وأصبحت طبقة سميكة يعتقد أنها تستعصي على الإصلاح، واليوم ومع هذه القفزة في الوسائل، والأدوات نتطلع، ونطالب بدور أكثر فعالية وحضورا لرجال أمن المرور فعليهم دور يتعدى تطبيق القانون والنظام إلى إعطاء صورة مشرفة عن وطنهم.
مشاركة :